قال البعض «إننا مخلوقون من «نطفة»، وأصلنا من «طين»، وأرقى ثيابنا من «دودة»، وأشهى طعامنا من «نحلة»، ومرقدنا «حفرة» تحت الأرض، فلماذا نتكبر»؟!
وأقول دائماً لنفسي أولاً، ومن ثم للآخرين، إن معدن الإنسان الحقيقي هو في جوهره الإلهي، أو المقدس، فكل إنسان يحمل شيئاً من روح الله التي نفخ بها آدم عليه السلام، ولكن هناك من البشر، من لا يفهم هذا الأمر ويبقى متصوراً نفسه، أنه أفضل من الآخرين، لماله أو لجماله أو لمركزه القبلي أو الاجتماعي، أو لشهرته بين الناس، وغير ذلك من الأمور الحياتية المادية المتغيرة والزائلة، ودعونا اليوم نتحدث عن إحدى القصص الواقعية التي تعبر خير تعبير عما أقوله، قصة حدثت في عالمنا الذي نعيشه ونقلها أكثر من موقع وأكثر من شخص، تقول هذه الحكاية الواقعية جداً «كانت هناك ثمة امرأة تجلس بجانب رجل أسود، وكانت متضايقة جداً من هذا الوضع، لذلك استدعت المضيفة، وقالت لها «من الواضح أنك لا ترين الوضع الذي أنا فيه، لقد أجلستموني بجانب رجل أسود، وأنا لا أوافق أن أكون بجانب شخص «مقرف»، يجب أن توفروا لي مقعداً بديلاً»، قالت لها المضيفة وكانت عربية الجنسية «اهدئي يا سيدتي، كل المقاعد في هذه الرحلة ممتلئة تقريباً، لكن دعيني أبحث عن مقعد خال»، غابت المضيفة لعدة دقائق ثم عادت وقالت لها «سيدتي، كما قلت لك، لم أجد مقعداً واحداً خالياً في كل الدرجة السياحية، لذلك أبلغت كابتن الطائرة، فأخبرني أنه لا توجد أيضاً أي مقاعد شاغرة في درجة رجال الأعمال، لكن يوجد مقعد واحد خال في الدرجة الأولى الممتازة»، وقبل أن تقول السيدة أي شيء، أكملت المضيفة كلامها «ليس من المعتاد في شركتنا أن نسمح لراكب من الدرجة السياحية أن يجلس في الدرجة الأولى الممتازة، لكن وفقاً لهذه الظروف الاستثنائية فإن الكابتن يشعر أنه من غير اللائق أن نرغم أحداً أن يجلس بجانب شخص مقرف لهذا الحد»، والتفتت المضيفة نحو الرجل الأسود وقالت «سيدي، هل يمكنك أن تحمل حقيبتك اليدوية وتتبعني، فهناك مقعد ينتظرك في الدرجة الأولى الممتازة»، في هذا اللحظة وقف الركاب الذين كانوا يتابعون الموقف منذ بدايته في ذهول قبل أن يصفقوا بحرارة للمضيفة لتأديبها غير المباشر للسيدة البيضاء».
السؤال الذي يطرح نفسه، من هذه المرأة التي تتصور نفسها أكثر أهمية من هذا الرجل الأسود، ومهما كانت، فإنها ليست مختلفة عنه إلا في لون البشرة، ومعروف أن لون البشرة له علاقة بالجغرافيا، والمكان الذي ولد فيه هذا الإنسان، فكما لم يعجب هذه المرأة أن تجلس على كرسي ملاصق للرجل الأسود، فإن هناك من الجنس الأسود من لا يحب أن يجلس بالقرب منه أي إنسان أبيض.
وإذا كانت أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول التي تتباهى بمناسبة وبغير مناسبة، أنها دول متحضرة، والدول الأخرى متخلفة، فقصة هذه المرأة وغيرها، توضح لنا أن هناك الملايين من الأوروبيين والأمريكيين، الذين لم يعرفوا من التحضر إلا الاسم فقط.
وإذا كان الرجل الأسود قد حصل على مكان أفضل في الطائرة، فإننا نشد بحرارة على يد المضيفة التي تمثل النوع الجميل من البشر والذي يحتاج إليه العالم في كل مكان.