من جديد يقرر أحد «طالبي الجنة» الظفر بها عبر تفجير نفسه في مسجد يضم مصلين يقولون «الله أكبر». يدخل عليهم متحزماً بحزام ناسف وهو يصرخ أيضاً «الله أكبر». ينتصر لله بقتل عباد الله في بيته عز وجل. مفارقة يصعب استيعابها، الانتصار لله بقتل عباده وهم ساجدون. مثل هذا المشهد يصعب تصديقه، ولو كان حدث في زمن مضى لشكك الجميع في الروايات التاريخية التي تناقلته، لكنه للأسف حقيقة صرنا نراها بأعيننا ونعيشها بل ونتوقعها في كل يوم وبعد كل أذان يرفع منادياً للصلاة.
الإثنين الماضي نفذ أحدهم هجوماً انتحارياً جديداً على مسجد المشهد في نجران جنوب السعودية عقب صلاة المغرب وتبنى تنظيم الدولة «داعش» مسؤولية الهجوم الذي أدى إلى استشهاد شخصين وإصابة أكثر من عشرين مصلياً بجروح، وتناقلت الأخبار قيام سبعيني بمحاولة السيطرة على منفذ الهجوم فاستشهد لكنه تمكن بفعله البطولي وبفضل الله من حماية الآخرين فمنع بذلك حصول كارثة.
خلال الشهور الأخيرة تعرضت السعودية للعديد من الهجمات الانتحارية والاعتداءات على المصلين وعلى المتواجدين في صالات المناسبات بالرصاص الحي نتج عنها سقوط العديد من الشهداء والكثير من الإصابات. الاعتداءات لم تخص منطقة بعينها ولا جماعة معينة ولكنها حدثت في مناطق مختلفة من المملكة وحيثما تواجد مصلون أو محتفلون بمناسبة دينية.
العمليات الانتحارية تم تنفيذها في الكويت أيضاً وتلقت دول خليجية أخرى تهديدات بتنفيذ عمليات مشابهة فيها، لهذا قامت وزارات الداخلية في هذه الدول بوضع الخطط التي تأمل بها حماية المصلين من «متعجلي الجنة» وتمكنت من إفساد الكثير من الخطط التي أعدها المفسدون الذين ظلوا متربصين بالمصلين ولم يعدموا وسيلة لتنفيذ بعض العمليات والتي منها التفجير في مسجد المشهد بنجران.
اليوم الجمعة يتوجه المسلمون في كل البلاد الإسلامية إلى الجوامع لأداء صلاة الجمعة بينما يتربص بهم الإرهابيون أملاً بالظفر ببعض البطاقات المؤهلة للدخول إلى الجنة بغير حساب، وليس مستبعداً -رغم كل الجهود الأمنية المبذولة للسيطرة على هذا الأمر- حصول تفجير هنا أو هناك يسفر عن ضحايا.
التفجير الأخير والذي تم بعد صلاة المغرب يؤكد نجاح قوات الأمن في دول التعاون من فرض الأمن في المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة، حيث الواضح أن الإرهابيين صاروا يجدون صعوبة في اختراق الجدار الأمني فاستهدفوا المصلين في غير صلاة الجمعة حيث لا يتوفر مثل ذلك الجدار، ولو أن صلاة الجمعة بالنسبة لهم أهم كونها تضم مجموعات كبيرة من المصلين ما يضمن وقوع عدد أكبر من الضحايا.
عملياً ربما يصعب توفير نفس الإجراءات الأمنية عند كل المساجد وفي الصلوات الخمس، لكن يبدو أن الظرف صار يتطلب مثل هذا الأمر، تماماً مثلما صار يتطلب بذل جهود أكبر في محاربة الإرهاب سواء بتصحيح المناهج الدراسية أو بتشريع قوانين جديدة تشدد العقوبات على المتورطين في هذه العمليات أو بالأحرى من يقف وراء هذه العمليات على اعتبار أن من يقوم بها يصير خارج الحياة.
طبعاً «داعش» وغير «داعش» يستغلون صغار العقول فيصيرون لهم أدوات، فالمنفذون لا يعرفون غالباً ما يجري ولا أسبابه، والواضح أنهم يتعرضون لعمليات غسيل مخ توصلهم إلى مرحلة تجعلهم يعتقدون أنهم إنما يقومون بعمل صالح يوصلهم إلى الجنة، لكن بالتأكيد لدى مستغليهم أهداف أخرى لعل أبرزها إحداث فوضى تتيح فرصة للتدخل في الشؤون الداخلية لدول التعاون وتحويلها إلى ساحات جديدة للحرب تؤدي في نهاية الأمر إلى تحقيق التغييرات المطلوب إحداثها في هذه المنطقة وهذه الدول والأنظمة.
القصة طويلة، بل طويلة جداً، والجزء الظاهر منها لا يكشف عن تفاصيلها.