اهتم بجذورك لا بالأوراق


نحن دائماً ننظر إلى الخارج، لا نعرف أي حياة في الداخل، نتصور أن النهار هو الأهم، ولا نعرف أن في الليل تتكون إضاءات النهار، ننظر للعادي، للجامد في الحياة ولا نرى أن الحياة لا تتوقف عن الحركة، ننظر إلى الصخب، وإلى الكلام اليومي المكرر والعادي والمألوف، ولا ندري أن المسكوت عنه، هو الأكثر أهمية، ولا نعرف أن الصمت هو الصانع لكل شيء فينا، وفيما حولنا من ظواهر.
قبل فترة اطلعت على كتاب جديد في معرض «الأيام»، تحت عنوان «الرحلة الداخلية»، يقول فيه مؤلفه الحكيم الهندي الكبير:
كتب أحدهم في مذكراته أنه كان قرب كوخ والدته حديقة فيها ورود فائقة الجمال، حتى أنها كانت تجذب الزائرين من مسافات ليست بالقريبة. ومع الأيام تقدمت الوالدة في العمر، وأصيبت بأحد الأمراض، ولم تخش المرأة الحكيمة المرض، ولم تأبه لتقدمها في السن، لكن كل ما كان يقلقها ما الذي سيحل بالحديقة، اندفع الغلام إلى حديقة والدته يرعاها، ويعمل فيها من الصباح حتى المساء، وبعد شهر تقريباً تحسنت صحة الوالدة، وبالكاد استطاعت النهوض حتى جاءت إلى الحديقة تتفقدها، أصيبت الوالدة بالدهشة لما حل بورودها فقد جفت، وذبلت، وبدأت بالتساقط، فقالت لولدها «لقد كنت هنا طيلة هذه المدة، ما الذي كنت تفعله وقد جفت النباتات وهي توشك على الموت؟ بدا الفتى بالبكاء، فقد اعتاد على العمل في الحديقة يومياً، لكنها تدهورت لسبب لا يعرفه، كان يلاطف الورود، ويحبها وكان ينظفها، ويمسح عنها الغبار، ظناً منه أنه يعتني بها لكنها تابعت تدهورها، ضحكت الأم وقالت: ألم تعلم إلى الآن يا بني أن حياة الورود ليست في الورود، وأن حياة الاوراق ليست في الأوراق، وأضافت: تكمن حياة الأوراق والزهور في مكان آخر، إنها في الجذور المخفية المتصلة بالأرض، فإذا لم تهتم بتلك الجذور غير المرئية، فلا يجديك نفعاً حب الورود والازهار والعناية بها، ولا يجديك نفعاً تنظيفها ومسح الغبار عنها، أما إذا نسيت كل شيء عن الورود والثمار ووجهت اهتمامك إلى حيث يجب توجهه، إلى الجذور فستنمو الورود والثمار من تلقاء نفسها، ولا حاجة بها إلى شيء آخر، تنمو الورود عند العناية بالجذور، ولا يمكن العكس.
«أوشو» كعادته لا يترك مثل هذه القصص دون تحليل أو تفسير، بقدر ما يحاول إيصالنا إلى المناطق التي يريد الوصول إليها، حيث يربط قصة الجذور بعوالم الروح التي يعمل على تعريفها في كل ما قال أو سوف يقول، لهذا يرى انه لا تنمو ورود على الجذور الخفية، لكننا وبسبب تركيز اهتمامنا على القلب والدماغ في الخمسة آلاف عام الماضية تقريباً في الحقيقة، هناك تركيز قليل على القلب، ويتجه معظم التركيز الى الدماغ، ولذلك بدأت حياة الانسان تتراجع، وتنحسر، وتنحل.
ويقول «يولد الطفل فينا، فنبدأ بتلقينه المعرفة والثقافة العقلية القائمة على التمايز المادي مما دفع الدماغ للتطور الفائض عن الحاجة، هذا كله لان زهور الحياة وثمارها الظاهرية تتفتح عليه، وبالطبع لا توجد آية معرفة ولا ثقافة ولا حتى ادنى اهتمام بالسرة وجذورنا الممتدة فيها».
ان ما يطرحه اوشو، واحدة من القضايا المهمة، التي جعلت الإنسان لا يرى غير الظاهر، اليومي، المادي، المحسوس، والملموس، في حين ان كل ما لا يرى هو الأكثر أهمية مما نراه على السطح.
أقول، حاول أن تفهم سر الحركة في جذورك، في تشكلها في الصمت، وبعيداً عن عيون الأشياء، حاول أن ترى كيفية نموها، حين تعرف جذورك، سترى الأوراق والأزهار والثمار، كلها تحت يديك، انظر إلى داخلك، لترى الأجمل.