منذ حين، تسمع بتساقط جنرالات إيرانيين في العراق وسوريا، تتساءل ماذا يفعل هذا الجنرال هناك؟ ولماذا هو على الخطوط الأمامية في بلاد بعيدة جداً عن مسقط رأسه؟ لماذا لا تنكمش إيران داخل حدودها الواسعة وتترك العالم الخارجي؟ دولة فيها أربعة فصول بوقت واحد، وأنهار وسواحل وجزر وسهول وجبال وبرار وطبيعة متنوعة. لماذا يرسلون جنودهم وجنرالاتهم بعيداً خارج بلادهم؟ ماذا تستفيد إيران من «حزب الله»؟ من بشار الأسد؟ من شيعة العراق؟ من شيعة البحرين؟ من الحوثيين باليمن؟
دولة تخرج من حدودها وترسل جنرالاتها وتعرضهم للخطر، ماذا تريد؟ لماذا يعيشون في ثورة دينية يقودها رجال دين؟ ما أهمية المذهب الشيعي بالنسبة لهم؟ أليس الأفضل أن نتأمل بهؤلاء الناس كيف يفكرون؟ لو كان صدام حسين شيعياً هل تتخلى عنه إيران؟ أم أنها كانت ستأتيه بالدعم والجنود وروسيا والصين؟
لماذا يأتي جنرال إيراني مخضرم عمره 65 عاماً ليقتل في الزبداني؟ كيف يفكر هؤلاء الناس؟ ما هي أحلامهم وطموحاتهم؟ وما هي أهمية العقيدة بالنسبة لهم؟ ولماذا فشل شيعة العراق في بناء تجربة بقوة التجربة الإيرانية؟ هل فشلهم يعود إلى أنهم شيعة احتلال أمريكي فاسدون ولصوص وليسوا من ثورة دينية مستقلة كالإيرانيين؟ ثم بماذا نواجه إيران؟ بحكوماتنا الديمقراطية؟ بأمتنا المتحدة؟ بعقيدتنا القوية؟
هل نعيش مخاضاً، أم نشهد عصر انقراضنا وخروجنا من التاريخ؟ هل ذنب إيران أننا لا نبالي لتهجير سنة بغداد وإبادة مليون عربي على يد الميليشيات؟ هل ذنب إيران أننا لا نكترث لمقتل أربعمائة ألف سوري وتهجير عشرة ملايين؟ هل ذنب إيران أن العرب لا يحبون حلب، كما يحب الإيرانيون شيراز؟ ولا يحبون حمص كما يحب الإيرانيون مشهد؟ ولا يحبون بغداد كما يحب الإيرانيون كربلاء؟
هل ذنب الإيرانيين أنهم يمجدون عقائدهم وأن العرب يريدون التخلص منها؟ هل ذنب إيران أنها تمتلك التكنولوجيا النووية والعرب لا يريدون امتلاكها؟ هل ذنب إيران أنها تتحمل خصومة مع أمريكا لثلاثة عقود، بينما العرب لا يتحملون خصومة معها ليوم واحد؟ هل ذنب إيران أن العالم الذي حاصرها عاد وتصالح معها؟
ونحن ما نحن؟ هل نحن عرب؟ هل نحب بعضنا البعض؟ أم ننكر عروبتنا ويستعبد قوينا ضعيفنا بعنصرية واستكبار؟ هل نحن مسلمون؟ هل لهذا أهمية بالنسبة لنا؟ أم أننا في الحقيقة نتعامل مع الإسلام كورطة تورطنا بها؟
وفي الشتاء حين يتحلق الجنرال الإيراني العجوز المخضرم بالحروب والعذاب حول الموقد المشتعل تحت الغيوم الأموية الحزينة والبخار يتصاعد من إبريق الشاي العتيق، وهو وسط جنوده بريف دمشق يحدثهم عن إيمانه بعقيدته وطموح فارس وتاريخ إيران، ولا يتحدث أبداً عن نفسه أو اشتياقه لزوجته وأحفاده وبناته. ماذا نفعل أمام واقع كهذا؟ أين جنرالاتنا؟ هل نحن مجرد انقراض ولا أسف حقاً على ما يجري لنا من خراب؟ وهل هذا الخراب مفيد حقاً أم أنه سيعجل بزوالنا فقط؟
قبل يومين أعلنت المصادر الإيرانية عن مقتل الجنرال حسين همداني في سوريا على يد تنظيم الدولة «داعش»، والجنرال كان مقرباً من قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذراع الخارجية للحرس الثوري وكتب عنه الإيرانيون «همداني كان شخصية مؤثرة للغاية ومقرباً من الجنرال سليماني. قائد له قيمة كبيرة ومؤمن حقاً بالإسلام والثورة في إيران».
لولا «عاصفة الحزم» وشجاعة الضباط السعوديين والإماراتيين لقرأنا الفاتحة على العروبة. وحتى حين تأتي أخبار الشهداء الأبطال إلى الإمارات والسعودية، يبقى السؤال كغصة بالدمع أين باقي العرب؟ يقول الكاتب السعودي تركي الحمد: «لولا «عاصفة الحزم» لصدق القول بأن العرب مجرد ظاهرة صوتية».

* نقلاً عن صحيفة «العرب» اللندنية