تحكي صفحات التاريخ القريب أن حرب أفغانستان أسقطت الاتحاد السوفييتي «بجلالة قدره»، و»مرمغت» أنف الجيش الأحمر القوي – آنذاك – في الوحل الأفغاني، فهل تسقط سوريا القيصر فلاديمير بوتين والذي يقود دولة باقتصاد متدهور وجيش من الدرجة الثانية في الوحل السوري؟
ما زال إرث العار والمهانة الذي خلفه غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان واستمر لعشرة أعوام وأسفر عن سقوط 14 ألف قتيل في صفوف الجيش السوفييتي، والهزيمة النكراء التي مني بها هناك على يد المجاهدين راسخين في ذاكرة كثير من الروس حتى وقتنا الراهن، ومازال قرار ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي عام 1988 بسحب قواته من إفغانستان معلنا بذلك أكبر هزيمة لحقت بالجيش السوفييتي في تاريخه يشكل كابوساً مزعجاً للشعب الروسي.
وقد علمتنا الأيام أن ليس هناك مستحيل أمام الشعوب الأبية الحرة الثائرة، والشعب السوري الأعزل والذي ثار ضد نظام همجي دموي ديكتاتوري، وخاض طوال سنواته الخمس حرباً ضروساً استخدم فيها الأسد كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة من بينها البراميل المتفجرة وأسلحة كيميائية، بجانب مواجهة الشعب السوري لأرتال من المرتزقة المجوس من إيران وأفغانستان والعراق وميليشيا «حزب الله» الإرهابي، وحقق انتصارات كبيرة على الأرض، لقادر أن يفعل في الجنود الروس كما فعل المجاهدون الأفغان وأن يساعدهم على نسيان أهوال ما لاقوه في أفغانستان.
يقال إن «الشاطر من يتعلم من أخطائه»، وهي مقولة يرددها البعض تارة عند النصح، وتارة عند الحذر، لكن يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يسمع بهذه المقولة، وربما سمعها لكن لم يفهمها، أو قد يكون الدب الروسي أخذه الغرور، وضحك عليه «الأسد»، ولم ينتبه إلى الشَرَك الذي أوقعه فيه.
على كل حال، كل الدلائل تشير إلى أنه ما كان للدب الروسي أن يجترئ على دخول الحرب في سوريا لولا يقينه أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما - المترددة والتي يشوبها الكثير من النفاق السياسي ومحاولة الضحك على الذقون منذ اندلاع الأزمة في سوريا - ضعيفة ولن تأتي إدارة أمريكية أضعف من الإدارة الحالية.
ولا يمكن لأحد أن يكابر أو ينفي حقيقة أن قرار بوتين الدخول إلى سوريا أقحم روسيا طرفاً في متاهة حرب مذهبية خطيرة كانت روسيا بغنى عنها، وصنفها في خانة «المحور الشيعي» ضد «المحور السني» في المنطقة، وما عزز ذلك أكثر، إقامة موسكو غرفة عمليات عسكرية مشتركة مع كل من حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في العراق، وإيران، ونظام بشار الأسد، في ظل ما تشهده المنطقة من صراع مذهبي حاد يعززه دعم إيران لخلايا شيعية إرهابية، لزعزعة الاستقرار والأمن وإثارة الفتنة الطائفية في كل من البحرين والسعودية والكويت واليمن والعراق وسوريا.
الطريف أن ذلك الأمر كشف لنا عقلية شيعة ولي الفقيه في الخليج تحديداً التي تعيش حالة ازدواج فكري ونفسي، بل تقوقع حول الذات، والكيل بمكيالين، وبثلاثة أحياناً، فها هم يهللون للغزو الروسي الجديد وكأن سوريا ليست دولة عربية، ومبعث الضحك - بل القرف - أن الحماس تملك أحد الناشطين من خدام «ولي الفقيه»، فأطلق على بوتين كنية «أبومهدي»، على وسائل التواصل الاجتماعي «التويتر» ، لاعتقاد هؤلاء السذج والبلهاء والمغفلين أن دخول روسيا سيرجح كفة رئيس النظام السوري الفاقد للشرعية!
ويخطئ الثوريون والمثقفون واليساريون والقوميون الذين يصفقون لديكتاتور سوريا، ويصمتون عن جرائمه ويجملون طغيانه ويصورونه زعيماً للأحرار، بينما لا يليق به إلا زعامة ثلة من المجرمين.
إن دخول بوتين الحرب في سوريا ومساندة حليفه الأسد المتشبث بالحكم إلى أن هجره معظم شعبه، وقتل أكثر من ثلاثمائة ألف منه، ربما سيمد في عمر النظام العلوي، وإن كان، فلن يحميه إلى الأبد ولن يضمن مستقبل الأسد على رأس الحكم في سوريا، وسيسقط سفاح سوريا وعائلته الملوثة أياديهم بالدم، إن آجلاً أو عاجلاً، كما سقط الحوثي في اليمن، وسيسترد الشعب السوري حريته، رغم أنف «ولي الفقيه» واللي خلف «ولي الفقيه»!