حين استقبل جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله رئيس وأعضاء مجلس النواب قبل أيام، أكد جلالة الملك على موضوع فصل السلطات بين السلطات الثلاث بالدولة.
هذا التصريح فُهم على أنه يجب أن يكون لمجلس النواب دوره التشريعي والقانوني والدستوري في ممارسة مهامه، هكذا فهمت التصريح بفهمي المتواضع، وهذا ربما أيضاً يعني أنه يجب أن يكون للمجلس دوره في موضوع إعادة توجيه الدعم للمواطنين، فهو المجلس التشريعي المنتخب وهو شريك للحكومة بالقرارات.
أتمنى أن أكون فهمت تصريح جلالة الملك حفظه الله بشكل صحيح، وإن كان كذلك فأعتقد أن مجلس النواب يجب أن يكون له قرار في موضوع الدعم وربما تأخذ به الحكومة الموقرة.
بالأمس قررت اللجنة التنسيقية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير سلمان بن حمد حفظه الله 3 خطوات تنفيذية لإعادة توجيه الدعم إلى المواطنين خلال شهر من الآن، وهذه الخطوات الثلاث هامة جداً، ونتمنى كمواطنين أن تنظر اللجنة المكلفة إلى موضوع إعادة توجيه الدعم بنظرة شاملة، وليست بنظرة الأرقام الجامدة، والنظرة الشاملة هنا تعني دراسة كافة التبعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الناس، قبل أن تصدر قرارات ربما نلغيها سريعاً، أو تتسبب في أزمات نحن في غنى عنها تماماً.
نشكر سمو ولي العهد سلمان بن حمد على توجيهاته ووضع ثلاث خطوات تنفيذية لإعادة توجيه الدعم، ونحن نأمل خيراً فيما ستتمخض عنه هذه اللجنة من قرارات تضع المواطن نصب عينها كما أراد قادة البلد، جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد.
من هنا نقول إن موضوع توفير ملايين معينة في خانة دعم اللحوم ليست هي التي ستغني الميزانية العامة، أعرف أن النظرة مستقبلية أي أن هذا الدعم سيرتفع مستقبلاً، لكن بالمقابل نريد أن نصارح الدولة في مواضيع عدة، ليس لشيء، وليس لإظهار أن الخطأ تتحمله جهة من الجهات، أو أفراد، ليس من أجل هذا أبداً، ولكن من أجل مستقبل البحرين، ومستقبل الدولة والمواطن معاً.
لمن يريد أن يقرأ الميزانية العامة قراءة صحيحة، سوف يجد الكثير من الأبواب والبنود تحتاج إيقاف، وستوفر ملايين أكثر بكثير من ملايين دعم اللحم «وهنا أعود وأطرح تجربة البطاقة التموينية كحل وسط، وفيه أيضاً سيكون الدعم موجهاً للمواطن فقط».
بينما هناك خلل واضح في إيرادات الدولة غير النفطية، وهو كما أشرت سابقاً رقم محبط جداً جداً، وهو 397 مليون دينار..!
هنا يجب أن نضع أيادينا، وأن نشخص المشكلة، وليس فقط في أمور تخص معيشة وقوت الناس.
الرجل السياسي والاقتصادي يحسب الأمور بطريقة مختلفة تماماً عن طريقة توفير ملايين في خانة بعينها، هناك تبعات ستلقيها هذه التغييرات على الجانب الاجتماعي للناس، وبالتالي ستؤدي إلى تبعات سياسية ربما تكون غير محسوبة، وغير مرئية اليوم.
تقارير نشرت أمس من أن سعر برميل النفط سيقفز مع نهاية العام الحالي إلى 75 دولاراً للبرميل، وإن كانت هذه التقارير صحيحة، فإن هذا الرقم فوق الذي تم تحديده بالميزانية العامة بـ 15 دولاراً.
القرارات المصيرية والتي تمس حياة الناس لا يجب أن تؤخذ بشكل متعجل سريع دون قياس ما ستفرزه هذه القرارات على المجتمع والناس، الشعوب التي خرجت في ما يسمى بـ «الربيع العربي» في عدة دولة «بينما البحرين لم تكن من دول الربيع العربي أو الخريف، بل كان الخروج بالبحرين طائفياً صرفاً» لم يخرجوا إلا بسبب أوضاع معيشية، وإلا فإن الحرية ليست هي الهدف الأول، الحرية لا تعطي بالضرورة قوتاً، الهدف بالنسبة لتلك الشعوب كان تحسين المعيشة ووقف الفساد في تلك الدول المعروفة.
هنا يقع الخطر، بإمكاننا أن نقول ما يرضي الحكومة الموقرة ونقول «كل شي تمام.. وأصلاً الناس ما تأكل لحم أسترالي» لكن الأمر ليس كذلك، وأنا أتحدث هنا عن كل بنود إعادة الدعم وليس بند صغير ممثلاً في بند «اللحم».
رفع الدعم عن التاجر سيرفع الأسعارعلى الناس، ألا ترون هذه الصورة؟
هل رفع الخدمات على التاجر ستجعل الأسعار كما هي الآن؟
بالتالي سيسدد الفارق المواطن وليس التاجر، والتاجر سيرفع النسب حتى لا يتأثر ويبقى ربحه كما هو.
الحكم والاستقرار السياسي والاقتصادي أهم بكثير من ملايين أرفعها عن الناس، بينما الخلل ليس في هذه الملايين وحسب، ولكن الخلل في أماكن أخرى، وبنود أخرى، وأرقام أخرى.
على سبيل المثال، تدعم الدولة شركة «ألبا» بمبلغ أكثر من 350 مليون دينار سنوياً «لا أتذكر الرقم حالياً بشكله الصحيح»، وهو دعم للغاز، وهذا يعني أن مبلغ دعم الغاز لشركة «ألبا» في الدورة المالية الواحدة أكثر من 720 مليون دينار، دينار وليس دولاراً.
فهل المشكلة في ملايين الدعم التي توجه لاستقرار الوضع المعيشي عند الناس، أم المشكلة في بنود أخرى بالميزانية العامة؟
من الواجب على المسؤولين، والذين سيكلفون بمراجعة الإجراءات كما أمر سمو ولي العهد، أن يبحثوا أماكن كثيرة بالميزانية العامة تحتاج إلى وضع اليد عليها، وتصحيحها، وتقليصها وبالتالي توفير ملايين بالميزانية العامة تساهم في تقليص الدين العام.
نحن في هذه المرحلة أكثر حاجة للمصارحة، والمكاشفة، وأن نقول للمسؤولين ما يجب أن يقال، وليس ما يحب المسؤول سماعه، ليس لأننا نريد النقد فقط، لا والله بل في كل ما يطرح من آراء أجده في مصلحة الدولة والحكم، والاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلد، وهذا الاستقرار أهم من أي شيء، وأهم من ملايين نوفرها في خانة، ونترك الخانات الكبيرة التي تحتاج إلى توفير حقيقي.
لسنا من نرى الصورة أفضل من الآخرين إطلاقاً، ولكن من واقع معاش مع فئات المجتمع ننقل بعض ما يتحدث به رجل الشارع، ونحن نعلم وعلى يقين من أن لدى الحكومة الموقرة وبالدواوين الثلاثة خبراء وعقولاً ومفكرين ورجالاً أكفاء يعرفون ويفهمون ما نقول.
ونتمنى أن يسمع إلى هؤلاء الرجال المخلصين، فالمصلحة ليست للناس فقط، وإنما مصلحة للحكم والدولة والاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلد، وهذا إذا ما فقد لا قدر الله، في وسط كل هذه المتغيرات الإقليمية فإن الأمور ربما تفلت، وسوف تحتاج الدولة إلى مليارات من الأموال طائلة حتى يعود الوضع كما كان..!
قبل أيام قلت هنا إن حساب الخانات ربما يكون صحيحاً حسابياً، ولكنه ليس بالضرورة صحيح اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، الأرقام جامدة، والمجتمع متحرك..!
** لفته جميلة
خلال اجتماع اللجنة التنسيقية أمس الأول برئاسة سمو ولي العهد قررت اللجنة تكليف اللجنة الوزارية للإعمار والبنية التحتية بالعمل على تسهيل الإجراءات الحكومية المتعلقة بالتراخيص البلدية والاستثمارية للمساهمة في التنمية الاقتصادية التي تكفل خلق فرص العمل النوعية والارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين.
في الواقع تعتبر وزارة البلديات والتي دمجت مع الأشغال ركيزة للاقتصاد، وأعتقد أن البلديات تحتاج وزيراً قوياً وصارماً يصحح ما في هذه الوزارة من أخطاء وأمراض مزمنة، ففي كل الدول تعتبر البلديات هي ركيزة العمل والاقتصاد والاستثمار ومرتبطة ارتباطاً وثيقأً وأصيلاً بمعاملات المواطنين، وإن كانت وزارة مثل البلديات ليست بالمستوى المطلوب، فإن كل العمل سيتعطل وسيتوقف.
ليس هذا وحسب، بل أن البلديات هي من أكثر الوزارات التي تشكل مورداً للإيرادات العامة، هكذا يفترض، ولكن بالبحرين الأـمور ليست كذلك.
العمل البلدي يعطل الاستثمار، ويعطل مصالح الناس، على الحكومة الموقرة أن تلتفت إلى ذلك، ليس هذا الموضوع موضوعاً هامشياً، إطلاقاً، نتمنى أن تشكل لجنة «وأنا واحد أخاف من اللجان بس شنسوي ما في حل»، تبحث بشكل نزيه وصحيح كل أوجه تعطيل مصالح الناس والاستثمار في البلديات، ناهيك عن الأمور الأخرى في هذه الوزارة وهي العمل الفئوي أما لمصلحة فئة، أو ضد فئة، وهذا الموضوع بحد ذاته كارثة حقيقية على البحرين وهو متأصل منذ أزمان، وبسببه حصلت استحواذات واستملاكات ومشاريع كلها تصب في المصلحة الفئوية ليس إلا.
** رذاذ
معادلة غريبة تحدث أمامنا اليوم، الدعم يرفع، الأسعار ترتفع، والأحكام تهبط، والدماء والأرواح لا يأخذ حقها، كما أمر الله من القصاص، صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف «قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة»..!