إن كانت روسيا حريصة على محاربة تنظيم الدولة «داعش» فلماذا لم تنضم إلى التحالف الدولي؟



القراءة العامة للوضع في الشرق الأوسط بتوتراته وحروبه، بتناقضاته وظروفه، تشير في بعض جوانبها إلى أن وضعاً دولياً بدأ في التشكل، رغم إيماننا القاطع بأن تكريس الصراع والأزمات في المنطقة منهج تسعى دول كبرى إلى إدامته، مع أن «دوام الحال من المحال».
منطقة الشرق الأوسط راهناً مصابة بحالة من الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي، وهناك احتمالات خطيرة مفتوحة وذات تبعات جذرية.
ويبدو أن الضربات الجوية التي يشنها الطيران الحربي الروسي ضد تنظيم الدولة «داعش» داخل الأراضي السورية، رفعت الخط البياني للتوتر في المنطقة بين روسيا وحلفائها «إيران، والحوثيين والنظام ‏السوري»، والغرب «الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا» وحلفاء الغرب في ‏المنطقة «تركيا والسعودية وقطر».
وربما يعطي الدخول العسكري لروسيا ميدانياً لمحاربة «داعش» مؤشراً شديد الحساسية لمزيد من التأزيم، على الرغم من وحدة الهدف مع التحالف الدولي، ويعيد إلى الذاكرة التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1979، وما تبعه من أحداث، خلال عشر سنوات من الفشل قضتها قواتها هناك، وحينها دعم الروس حكومة انقلابية موالية لهم بالتدخل ‏عسكرياً، فيما دعم الأمريكيون المجموعات الجهادية التي ‏نتجت عنها فيما بعد حركة «طالبان» التي انقلبت عليهم وتوافقت مع تنظيم ‏‏»القاعدة».‏
روسيا بعدما تم إقصاؤها من أفغانستان، فهي الآن تحاول ترتيب وجودها العسكري في الشرق الأوسط، واستعادة دورها بعد غياب 20 عاماً منذ انهيار المنظومة السوفيتية السابقة، ليكون مدخلاً لها في أوكرانيا بعدما تمت مضايقتها بشكل كبير هناك من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي.
ومن سوء الطالع لروسيا أنها فشلت مرتين في تدخلها في صراعات الشرق الأوسط وفي الحرب ضد جهاديي أفغانستان بالثمانينات، وفي الشيشان بالتسعينات، وإذا تكررت تجربة الفشل لديها في سوريا، فإن عليها إعادة النظر بشكل جذري في عمليات التدخل الميداني، وأن تكتفي بممارسة الضغوط لكسب الأوراق فقط.
ولن تسمح الولايات المتحدة لروسيا إعادة سيناريو أفغانستان، الذي كلف واشنطن الكثير، ولا يزال، مع أن البعض يرى أن هناك توافقاً بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بالضربات الجوية، وأكدت ذلك تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل الـ «كيه جي بي» السابق، بأنهم ينسقون مع المخابرات الأمريكية.
الآن القضية ليست في بقاء أو ذهاب بشار الأسد، ولا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا، ولا في القضاء على تنظيم «داعش»، إنما هي تتعلق بتحركات غربية من أجل إعادة ترتيب الأوراق الدولية وفق قانون المصالح، والشرق الأوسط ميزان حساس لقياس تأثيرات القوى الدولية.
السؤال المهم، إن كانت روسيا حريصة على محاربة تنظيم الدولة «داعش» فلماذا لم تنضم إلى التحالف الدولي؟
إذن فإن العمليات العسكرية الروسية في سوريا ليست حرصاً على محاربة «داعش»، بل سعياً منها لحماية نظام بشار الأسد، ليس حباً فيه، إنما تعزيزاً لوجودها في المنطقة.