البحرين تجتهد كي تتمتع بوضع أمني مستقر كما كانت عليه في سنوات ماضية ولا يخفى على أحد حجم ما تتعرض له من تهديدات


كم كانت جميلة وذكية ومتمردة على رسميات وبروتوكولات البلاط الذي تنتمي إليه، كم حظيت بأناقة ورفاهية تحلم بهما كثيرات، ثياب فاخرة، حفلات صاخبة للأصدقاء والصديقات، مسرحيات وتمثيليات وسباق خيول ومقامرة، وحبيب سويدي يدعى ألكونت «هانس اكسل فون فيرسن» التقته في حفلة تنكرية، ووقعت في غرامه، لكن تحولاً جذرياً شهدته حياتها الفارهة بعدما سجنت، فتحطمت كل صروح فخرها وعزها، أساء حراس السجن معاملتها، فقصوا شعرها وألبسوها أردأ الملابس، ثم أعدمت بالمقصلة!!
نهاية مفزعة لا تليق برفاه البداية، قادتها إلى الإعدام عبارتها الشهيرة التي أوردها «جان جاك روسو» في كتابه «الاعتراف»، «إذا لم يكن هناك خبز للفقراء.. دعهم يأكلون الكعك»!! كانت «سيدة فرنسا الأولى ماري أنطوانيت».
جاءت تلك العبارة بعدما سمعت الملكة ضجيجاً، وعلمت أن هناك مشاغبات شعبية مرجعها جوع الشعب الذي كان يتمنى خبزاً فلا يجده!! ولأنها الملكة، في برجها العاجي، ولديها مطبخاً خاصاً يضم صنوفاً لا تحصى من الأطعمة، لم يكن الخبز لديها يشكل أدنى معضلة، ووجدت الكعك أو البسكويت بديلاً مناسباً عن تلك الترهات والحماقات التي ينادي الشعب من أجلها.
لقد جاع الشعب جراء أزمة مالية كبرى، أغرقت فرنسا في الديون وعاش شعبها سنوات من القحط والفاقة فيما ينعم الارستقراطيون ورجال الدين بامتيازات عالية، ويلهو لويس السادس عشر بصيد الثعالب، وتستمر الملاهي التي تغدق فيها أنطوانيت الأموال دونما اكتراث بما تعانيه فرنسا من أزمات مالية آنذاك.
كل ما سبق كان كافياً لتبرير ما شهدته فرنسا من اضطراب سياسي، وصراعات مسلحة، وتحريض شعبي تمخض عنه ثورة متطرفة أودت بحياة ملكتها وغيرت مجرى التاريخ!! إنه الجوع، ومصالح العامة، وتململ الشعب، لاسيما إن كان في الجوار شعوب مرفهة تغدق عليها حكوماتها الأموال تباعاً في كل مناسبة، وتزيد في أجورها وامتيازاتها باستمرار، وتعمل ليل نهار من أجل رفاه الشعب وسعادته.
إنه اللحم بلا دعم، ثم ارتفاع يفرض علامات الاستفهام والأسئلة لأسعار الخضار والفاكهة في السوق البحرينية، ربما باعتبارها بديلاً عن الأول، ثم النفط والكهرباء، والقمح والأرز والزيت وغيرها كثير!! دونما بطاقة تموينية «محترمة» تصون حقوق المواطن وتنتقي له الصنف الأفضل المدعوم، على غرار ما ينعم به مواطنو دول الجوار، أتمّ الله عليهم النعمة.
كلنا نعلم أن البحرين تجتهد كي تتمتع بوضع أمني مستقر كما كانت عليه في سنوات ماضية، ولا يخفى على أحد حجم ما تتعرض له من تهديدات تتطلب التكاتف الوطني والصمود الشعبي في وجه تلك المخاطر المتصاعدة، والعمالة الإيرانية في البحرين ما زالت مستفحلة ومتغلغلة في الديار، رغم كل الجهود الأمنية المشكورة، ولعل ما زال هناك مزيد من السلاح ومزيد من العنف المدخر، وكثير من التوجيهات المعادية من الخارج، واقتناص الفرص تحت شعار «حماية المستضعفين»، فهل ينقص البحرين غضب شعبي جديد من كافة أطياف المجتمع؟! إجابة هذا السؤال لا تملكها إلا الحكومة الموقرة.
اختلاج النبض:
عندما يرفع الدعم عن الهواء الذي يستنشقه المواطن، نرجو أن يبقى الكعك أو البسكويت مدعوماً وفي متناول الجميع. نامي أنطوانيت في مثواك الأخير، فقد سطر التاريخ أنك «كنتِ» الأجمل على الإطلاق.