كل إنسان له عمر محدد، هو رصيده في الحياة الدنيا، رصيد محدد بالفترة التي يقضيها الإنسان، أو أي كائن من الكائنات الحية، بين الولادة والموت، بين الخروج من ظلمة الرحم إلى الدخول في ظلمة القبر، أيام لا تزيد ولا تنقص، حددها الله سبحانه وتعالى لجميع المخلوقات.
وأتصور شخصياً، أن لكل منا عمراً محدداً، فما أن نبدأ في اليوم الأول من حياتنا، إلا ونحن نقوم باستخدام هذا الكنز، فيما يظن الناس أننا نكبر ونزيد في رصيدنا، أتصور أننا نصغر ونصغر، ونسحب من هذا الرصيد، حتى لا يبقى منه شيء.
البعض منا يستخدم أيامه بكل ما فيها من تعاسة وحزن وفرح ومرح، وأيام جوع ولحظات شبع والكثير من الصحة والقليل من المرض بصورة جيدة ورائعة ويستثمر ما أعطاه الرب من أجل الخير، والبعض الآخر يستخدم هذا الكنز لصالحه، ولصالح خير الآخرين الذين يعيشون معه على هذا الكوكب الرائع.
أيام الإنسان هي كنزه الخاص بهذا المعنى، كل منا يحمل كنزه، قد يكون هذا الكنز موهبة، قد يكون قدرة على زراعة المحبة في كل خطوة يخطوها هذا أو ذاك من الناس، حتى لو كانت وسط عواصف الأحزان والأزمات والكوارث، قد تكون إمكانية هائلة لمساعدة الضعفاء، قد تكون ابتسامة تشجع المريض على الشفاء، والضعيف على مواصلة السير، لكل منا أيامه ولكل منا كنزه.
فما أنت صانع بأيامك، أعني كنزك الذي لا يستطيع أن يأخذه منك أحد، ما أعطاك الله لا يمكن أن يسلبه منك أحد، ما أعطاك الله هو لك وحدك، عندما أتكلم عن الوحدة والفرادة فأنا لا أعني التملك، فأنت لا تستطيع أن تملك شيئاً، فالكل من التراب وإلى التراب. كنزك الخاص هي أيامك، ما أنت فاعل بها؟
كل يوم لا تزرع فيه خيراً، عليك اعتباره يوماً ضائعاً من رصيد أيامك، وكل يوم تقضيه في اللهو والكذب والحقد والغضب والحسد والغيرة، هو يوم ميت من حياتك. إن أضعت أيامك في ما ينفع، فأنت كمن يزرع قمحاً في تربة صالحة. وإن أضعت أيامك في أكل مال اليتيم والكذب على الآخرين، فهذا اليوم مسحوب من رصيدك الباقي لك، مسحوب من كنزك الذي أعطاه لك الرب في يوم ولادتك.
إن كنت تحمل شيئاً من الذكاء فاستثمر هذا الكنز لصالحك ولصالح أهلك ولصالح أهل منطقتك ولصالح المجتمع الذي تنتمي إليه ولصالح البشرية أيضاً.
إن كنت تحمل شيئاَ من الذكاء، لا تضيع أيامك المحدودة، في ما لا جدوى منه، ولا يضيف إلى رصيدك الروحي. إن كنت تحمل شيئاً من الذكاء، لا تترك يومك ينتهي بالشكوى والتذمر من نعمة الحياة، لا تتركه بدون أن تملأ كل لحظة فيه بالتنوع والتجدد والتميز والاختلاف، اجعل كل يوم من أيامك، متدفقاً بالمحبة التي لا تنتظر المقابل، يكفي أن تشعر بالرضا الداخلي، الرضا الداخلي هو سر الحياة الحقيقية التي لا يعرفها أكثر الناس على هذه الأرض. إن كنت تحمل شيئاً من الذكاء اشكر ربك، اشكر والديك، اشكر الهواء الذي تتنفسه، اشكر الزمان الذي أتيت فيه إلى العالم، اشكر أرضك والنظام الاجتماعي الذي تحيا فيه.
إن كنت ذكياً حقاً اتبع المحبة أينما تسير، وتجنب المقت ولو كان على حساب حياتك. اشكر كل شيء، حتى من أهانك، فأنت بهذا تكتسب حسنة مجاناً، فيما هو يحصل على السيئات.