كلامي قد يشكل صدمة ونفوراً خصوصاً لدى معشر «التويتريين»، لكن الصراحة لابد منها، وإن كانت مؤلمة، وأقولها ورزقي على الله، الصحافة التي تقودها وسائل التواصل الاجتماعي، ليست بصحافة، والكاتب الذي يستجدي «الفلورز»، ويسوق نفسه كأي سلعة، ويقيس النجاح بعدد المتابعين، ويستعرض بعدد «الفلورز»، ويتمايل مع آرائهم، ويخشي مخالفتهم، ويقع أسير أفكارهم المتجسدة في عدم النضج خشية غضب معشر «التويتريين»، ليس بكاتب، فالكاتب هو من يتبنى المواقف والآراء ويقود الشارع، ولن تتغير المعادلة ويتراجع دوره بسبب سطوة الإعلام الجديد «التويتر»، فاختلاف المستويات الفكرية ودرجات الوعي، هي من تجعل الكاتب يقود الشارع، وليس العكس.
هل بدا كلامي قاسياً؟
ربما، واعتذر إن كان كذلك، لكنه كذلك ينبغي أن يكون، وكذلك كان ينبغي أن يكون، الحق يجب أن يقال دون رياء وتملق، فالوضع الاقتصادي المتأزم الذي يمر به البلد لا يتحمل أية مجاملات، فهو ليست نوبة زكام أو صداع علاجها أقراص الأسبرين، وإنما يحتاج لجراحة حقيقية وعاجلة، والوضع ممكن أن يسوء أكثر لو بقي باب غرفة العمليات مغلقاً، ولست هنا أتحدث فقط عن دعم اللحوم وثقافة «التحلطم»، وضحايا «الشاورما والتكة»، ولست هنا بصدد الدفاع عن الحكومة، فهي أصلاً ليست بحاجة إلى من هو مثلي للدفاع عنها، لديها وزراؤها ووكلاؤها ومستشاروها وممكن أن يقوموا بالمهمة أفضل مني.
ولن أفتي في أمور لا أفهمها، لكن كل مرسوم ملكي أو قرار حكومي يغلق باباً للفساد ويجلب رزقاً للمواطن ويضيف دخلاً إضافياً للبلد، أمر سأقف أحييه وأصفق له.
وصدق أو لا تصدق، وأضف إلى معلوماتك، وهل تعلم: أن تسعيرة كيلو اللحم الأسترالي بـ2.850 دينار، قبل وبعد الدعم، وأن الحكومة كانت تدعم كل كيلو بدينارين، وبالتالي الشركة تبيعه للقصابين بـ850 فلس للكيلو، ومن ثم يباع للمستهلك بدينار، أي أن المكسب الفعلي للقصاب في الكيلو الواحد هو 150 فلساً فقط، وبعد قرار رفع الدعم عن اللحوم قامت الشركة ببيعه بنفس القيمة «2.850 دينار»، أما القصاب فيبيعه بـ3.500 دنانير للكيلو الواحد أي أن هامش الربح وصل إلى 650 فلساً مقارنة بـ150 فلساً كان يتحصل عليها قبل رفع الدعم، ومع ذلك غير راضٍ!!
ولكن الذي يفوق ذلك هي معلومة كتبتها خصيصاً لضحايا «الشاورما والتكة»، وصدق أو لا تصدق، وأضف إلى معلوماتك، وهل تعلم يا عزيزي المسكين، مدى جشع أصحاب المطاعم واستغلالهم، فلحم الشاورما المستخدم ليس من فصيلة الغنم بل من فصيلة الديناصورات -عفواً- أقصد الجاموس، والدجاج المستخدم ليس من النوع المدعوم، بل أردأ الأنواع المباعة في السوق، لذلك وجب شرعاً وأخلاقاً، مطلق المقاطعة والمصارمة ومعاداة هذه المطاعم وأصحابها.
طيب، هل سيكون مجدياً أن تعلم عزيزي المواطن أن قرار مجلس الوزراء بدمج 10 هيئات ومؤسسات حكومية وإلغاء البعض الآخر من شأنه أن يحقق وفراً بعشرات الملايين في الميزانية العامة سنوياً، من قيمة المباني المستأجرة، والمصاريف الإدارية وشركات الصيانة والتنظيف و...إلخ، مع العلم أن بعض الوزارات لديها أكثر من مبني مستأجر، تشغله تلك الهيئات، وصل عددها في إحدى الوزارات في عهد وزير سابق إلى 4 مبانٍ مستأجرة.
وهل من الضروري أن تعلم عزيزي المواطن الغيور على المال العام، أن فرق العمل الست المكلفة من قبل مجلس الوزراء بدراسة خفض المصاريف والتعامل مع عدة أوجه متصلة بالمصاريف الحكومية ومنها المواصلات والسفر والإيجارات وصيانة المباني والمطبوعات والاشتراكات والمواصلات وغيرها من الأمور، والمقدر -حسب ما هو مطلوب منه- أن تقلل المصاريف إلى ما نسبته 30%، إذا ما نجحت في مهمتها، ستحقق وفراً في الميزانية العامة يبلغ 200 مليون دينار في السنة!!
قد لا يهتم «شخص ما» بهذه الأرقام لأنه اعتاد على ثقافة «التحلطم»، لكن سيتعلم آجلاً أم عاجلاً أن هذا النوع من الثقافة لا يمكنه أن يصنع مستقبلاً أفضل للوطن، وأن علينا وحتى نتعايش مع تلك الأيام السوداء، أن نتعامل مع واقع وحقائق وليس مع إشاعة «كوبي آند بيست» تتبادل عبر «الواتساب»، أما الحكومة فعليها أن تتعامل بطريقة أكثر شفافية وصراحة مع الشارع، ولا تتركه عرضة للمؤزمين والمتصيدين في الماء العكر.