لا ولادة بلا ألم، لا صعود بلا هبوط، لا تعلم بدون المرور على تجربة، لا نجاح بلا مرارة فشل التجربة، وهكذا نحن أبناء الأرض، كل حياتنا حركة وانتقال من حالة إلى حالة، بالضبط كما هي حالة المد والجزر في كل شيء، من حركة الكواكب، إلى تعاقب الليل والنهار.
من هنا، يومياً تلتقي بالكثير من الأشخاص الذين يعانون من جروح الماضي بدرجات متفاوتة، وأغلبهم بالكاد يستطيع مواصلة حياته اليومية.
الذين يعانون هم رجال ونساء وشباب وفتيات، كل واحد منهم يحمل داخله جرحاً أو أكثر، وقد مر على هذا الجرح مسافة طويلة، ورغم مرور الإنسان على مرتفعات ومنعرجات حياتية من المفترض أن تخفف أو تزيل هذه الجروح، ولكنها لا تذهب ولا تختفي، إنما تعود لتصبح أكثر اتساعاً مع نمو الإنسان الجسدي والنفسي والروحي
لكن هذه الجروح لا تختفي.
والسبب كما أراه، أن هؤلاء المجروحين تعودوا عليها، وأصبحت جزءاً من حياتهم، فهي إن ذهبت عنهم سيشعرون بالفراغ لأنهم لا يملكون شيئاً آخر يتكلمون عنه، فهناك من ماتت أمه، ومات أبوه، وأثر هذا على حياته، من هنا يبدأ بلوم هذا الأب أو الأم، لأنه تركه متجاهلاً أن الموت جزء من الحياة، وليس بقدرة أي إنسان تفاديه، أو الهروب منه،
قد أمر أنا، أو أنت، أو هو، بواحدة من الأمور الحياتية المؤلمة التي جاءت لتعلمنا، أو تهدينا إلى الطريق الصحيح، فكل الأمور السيئة أو الجيدة، هي حروف تجعلنا نتهجى جيداً أبجدية الحياة التي لا يمكن أن تنتهي، بسبب كوننا أرواحاً تمر بتجارب إنسانية، أرواح لا تفنى لأنها مرتبطة بروح الله سبحانه وتعالى.
في كتاب «تستطيع شفاء قلبك – العثور على السلام الداخلي بعد الانفصال أو الطلاق أو الموت»، من تأليف لويز. ل. هاي وديفيد كيسلر، وترجمة د. محمد ياسر حسكي ونور خانجي، ومن إصدار دار الخيال، نقرأ في مقدمة الكتاب:
«القلب المكسور هو قلب مفتوح في آن، فعندما نحب شخصاً، وينتهي ذلك الوقت الذي كنتما تقضيانه معاً، فستشعر على نحو طبيعي بالألم من فقد شخص تحبه هو جزء من الحياة، وجزء من هذه الرحلة، إلا أنه لا ينبغي أن يكون هناك وجود للمعاناة، على الرغم من أنه شعور طبيعي أن تنسى طاقتك وقدرتك بعد فقدك الشخص الذي تحبه، إلا أن الحقيقة هي أنك بعد الانفصال، الطلاق، أو الوفاة، ماتزال تمتلك القدرة داخلك من أجل خلق واقع جديد، دعونا نكون واضحين هنا، نحن لا نطلب منك تغيير تفكيرك بعد فقدك لأحد ما، لا أن تتجنب ألم الحزن، بل تستمر في التحرك من خلاله، نحن نريد لأفكارك أن تعيش في مكان تتذكر فيه الذين تحبهم بحب فقط، وليس بحزن، ولا أسف. مهما بلغت درجة التفكك من سوء، ومهما وصل الطلاق إلى أعلى درجات اللوم. ومهما كان الموت مفجعاً، فمن الممكن بعد ذلك الوصول إلى مرحلة «التذكر بحب»، ومع مرور الوقت، هذا لا يعني أن تنكر أو تهرب من الألم، بل إن تسمح لنفسك بخوض تلك التجربة وكشف حالة جديدة من الحياة، المرحلة التي تتمسك بها بالحب الثمين، لا بالأسى والحزن».
ومن هنا أرى أن الطريقة الوحيدة للشفاء من جراح الماضي، والمعاناة، بشتى صورها وأشكالها، هو المزيد من الحب لمرحلة مضت، واضعين في الاعتبار، أننا يجب أن نمر بهذه التجربة لتعلمنا جديداً في الحياة التي نحيا فلننظر إلى الطريقة الجديدة الآن لكي نغتسل من جروحنا القديمة، باعتبارها قدراً جاء لكي نستفيد منه وبالتالي نستطيع التصالح مع ذواتنا، لنواصل رحلة الحياة.