علاقة الإنسان بالإنسان من أجمل العلاقات الفطرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى من أجل أن يكون للحياة معنى تعاوني، لإعمار الأرض وزراعتها بالخير، في كل يوم من الأيام التي نعيشها على هذا الكوكب، ومن أجل أن تستمر الحياة، هناك نوع من أنواع السعادة، التي لا يمكن أن يعرفها جيداً، إلا من حباه الله بإمكانية مساعدة غيره، ولو كان عن طريق الابتسامة البسيطة التي تشجعه على مواصلة الطريق، والتغلب على ما يمر به من ظروف وهموم وأحداث.
والقوانين الوضعية التي عرفها الإنسان منذ الحضارات البشرية، جاءت من أجل إدارة المجتمع، بحيث لا يأكل الإنسان من كتف أخيه الإنسان، والحفاظ على الممتلكات الخاصة التي حصل عليها هذا أو ذاك من البشر، نتيجة لجهده الذي صرفه للحصول على هذه الأملاك، سواء كانت أرضاً أو بيوتاً أو أموالاً. لكن هذه القوانين ما جاءت لأن تمزق الإنسان الجائع، او تمنعه من الحصول على لقمة يسد بها جوعه.
البؤســـاء أو البائســون «بالفرنسيــــة: Les Misérables» رواية للكاتب فيكتور هوجو نشرت سنة 1862، وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر، إنه يصف وينتقد في هذه الرواية الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815، والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832. إنه يكتب في مقدمته للرواية «تخلق العادات والقوانين في فرنسا ظرفاً اجتماعياً هو نوع من جحيم بشري، فطالما توجد لا مبالاة وفقر على الأرض، كتب كهذا الكتاب ستكون ضرورية دائماً».
تصف «البؤساء» حياة عدد من الشخصيات الفرنسية على طول القرن التاسع عشر الذي يتضمن حروب نابليون، مركزةً على شخصية السجين السابق جان فالجان ومعاناته بعد خروجه من السجن.
تعرض الرواية طبيعة الخير، والشر، والقانون، في قصة أخاذة تظهر فيها معالم باريس، والأخلاق، والفلسفة، والقانون، والعدالة، والدين، وطبيعة الرومانسية، والحب العائلي. لقد استلهم فيكتور هوجو شخصية المجرم الشرطي فرانسوا فيدوك ولكنه قسم تلك الشخصية إلى شخصيتين في قصته.
انطلاقاً من هذه الخلفية للبعد الإنساني أو مأساة جان فلجان التي بقيت في داخلي لأكثر من نصف قرن، تذهب وتأتي كلما شاهدت أو سمعت أو رأيت ما يشبهها الآن، رغم أن أحداث رواية «البؤساء» مر عليها أكثر من قرن من الزمان.
قبل فترة أرسل لي الصديق في «الوتس اب»، جاسم أمان حكاية جميلة راقية، تطرح الكثير من القيم الإنسانية الكبرى، فأحببت أن أتشارك معكم فيها:
يحكى أن شرطياً أمريكياً من ولاية ألاباما، يدعى دينيس، استلم بلاغاً عن جريمة سرقة بقالة في مدينته، وعندما حضر لاعتقال اللص، وجد أن ما سرقته «هيلين» كان عبارة عن خمس بيضات فقط، وقالت له: إنها لم تأكل منذ يومين هي وعائلتها.
وعلى خلاف القانون، قرر الشرطي عدم اعتقالها، واشترى لها سلة البيض كاملة.
وبعد يومين، عاد إليها دينيس ومعه زميله بسيارتين كانتا محملتين بالطعام من تبرعات جمعها لعائلة هيلين، التي قالت له «إنك لا تحتاج لتفعل لي كل هذا يا سيدي»، فكان رده «إننا لا نحتاج إلى القانون أحياناً بقدر ما نحتاج إلى الإنسانية».
ويعلق أحد الذين قرأوا تلك الحكاية بالقول إن هذه الحادثة المليئة بالجوانب الإنسانية الممزوجة بالرحمة والرفق، على متهمة بالسرقة، تذكرنا بمواقف مغايرة ومناقضة، تحدث لمتهمين قبل إدانتهم في القضايا، في بعض الدول غير الديمقراطية أوالنامية أو الديمقراطية المنقوصة أو التي تدعي الديمقراطية.
السؤال الذي يطرح نفسه علينا كصفعة تزيح عن عيوننا الغشاوة هو: كم واحداً منا مر بمثل هذه الحالة يكون في موقف الفعل الإنساني الإيجابي، ويقوم بدوره الواجب أن يقوم به، وهو مساعدة هذه الإنسانة الجائعة، كما قام بذلك الشرطي الشهم الذي يصرخ في الكون، ما زال العالم بخير؟!
علينا أن نتذكر دائماً أن الدرس الإنساني الذي علمه لنا هذا الشرطي هو درس يحتاج منا إلى أن نغرسه في قلوبنا، حين رد على المرأة، بالقول «إننا لا نحتاج إلى القانون أحياناً بقدر ما نحتاج إلى الإنسانية».