قبل عامين تقريباً كنا قد طرحنا أمام تكاثر عصابات المخدرات الإيرانية بالمنطقة واستهدافها لدول الخليج بالذات ضرورة مواكبة التحديات عن طريق تحويل إدارة المخدرات بوزارة الداخلية إلى إدارة عامة أسوة بدول الخليج العربي، التي أوجدت لديها أجهزة أمنية متكاملة وطواقم عمل تستوعب ضخامة هذه المخططات.
القاعدة التي تقول إن إيران لا تجرؤ على مواجهة الدول العربية عسكرياً بشكل مباشر بل تلجأ إلى زرع خلايا وعملاء لها ومن ثم تبدأ في ضرب أمن واستقرار الدول عن طريق بث الفتن والحروب الطائفية، فيما تمارس هي الدعم اللوجستي بالباطن لم تعد القناعة التي يجب على أساسها مجابهة المخططات الإيرانية ومحاربتها لحماية أوطننا، فإيران لا تستهدفنا عسكرياً وأمنياً فحسب؛ بل تستهدف أيضاً شبابنا الذين تجد أن السيطرة عليهم بآفة المخدرات والخمور والدعارة وغيرها من المفسدات المهلكات التي تشغلهم عن نهضة أوطانهم وبناء تقدمها مفتاح الكنز الذي يهدم أنظمة المجتمع ويخترقها.
كما إن إيران ليست الدولة الوحيدة التي تستهدفنا وإن كانت هي من تتصدر المشهد؛ بل أعداؤنا أيضاً من الدول الداعمة «لتخريب» شبابنا وإفسادهم، مثال بسيط جداً على هذا الكلام حتى لا يتوقع البعض أننا نطرح وجهات نظر لا حقائق تتكلم بلغة الأرقام وتوجد مؤشرات من الواجب رصدها والفطنة إليها.
لنتابع أخبار عمليات ضبط المخدرات في دول الخليج خلال السنوات الأخيرة ونأخذها على أبعاد أمنية ومجتمعية؛ أحبطت إدارة المخدرات البحرينية مشكورة تهريب 400 كيلوغرام من المخدرات كانت ستدخل البحرين بين عامي 2009 و2010 على يد عصابة إيرانية مسلحة، أي قبل الأزمة الأمنية بعام 2011، وفي أبريل 2014 ضبطت إدارة المخدرات البحرينية أكبر شحنة مخدرات على مستوى العالم بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات بالسعودية تحوي 24 مليون كبتاجون مخدر قيمتها ملياري ريال، حيث كانت البحرين تعتبر نقطة العبور لتهريبها إلى داخل السعودية. السؤال لماذا استهداف السعودية التي تقود اليوم حربنا العربية في اليمن؟!
في يونيو 2014 بدبي ضبطت أكبر شحنة مخدرات تعد الأضخم على مستوى عمليات التهريب البحري تحوي طناً واحداً و32 كيلوغراماً من الهيروين، هذا الكلام يؤكد أن مملكة البحرين بالذات بحاجة إلى تقوية جهاز إدارة المخدرات وجعلها إدارة عامة متكاملة، فمصيرنا مرتبط بمصير دول الخليج والعكس صحيح.
الجانب الآخر الذي نود التطرق إليه اليوم هو المعالجة الداخلية والاهتمام بفئة المدمنين في المجتمع البحريني وإيجاد المراكز التأهيلية، والتي تجعل مملكة البحرين مواكبة للمراكز التأهيلية والعلاجية بالدول الأخرى، وقد وردتنا ملاحظات عدة من بعض المدمنين شخصياً وما يعانونه في مسألة علاجهم وتخلصهم من هذه الآفة نوردها في عدة نقاط..
- لا توجد مراكز علاجية سوى وحدة المؤيد لتأهيل المدمنين، فإضافة إلى عدد الأسرة القليلة فإن طريقة معالجة المدمن غير فعالة، حيث يتم إيقاف المدمن عن التعاطي مما يؤدي إلى ظهور الأعراض الانسحابية والالتهابية عليه عندما يتوقف عن المخدرات لمدة أسبوع دون متابعته وتأهيله نفسياً، لذلك فمعظم الشباب -كما أورد لنا أحد المدمنين- خرجوا من المستشفى لأنهم لم يجدوا في سياسة العلاج فعالية كتلك الموجودة في مستشفى الأمل بالسعودية على سبيل المثال، كما إن الأدوية التي تمنح للمدمن هي من تجعله يعود للإدمان مرة أخرى رغم وجود بدائل وخيارات أخرى بخصوص الأدوية التي تمنح له كما إن أساس علاج المدمن ليس إيقافه عن الإدمان فحسب بل تأهيله نفسياً واجتماعياً وهذا ما لا يتوفر في البحرين.
- يقول أحد المدمنين؛ يبقى المدمن الذي يتم علاجه على المهدئات لمدة 21 يوماً وبعدها يخرج من المستشفى ليبدأ مشوار بيع الحبوب على المدمنين بعد أن يأخذها من المستشفى بسبب عدم وجود التأهيل النفسي الذي يكون الواقي له لعدم العودة أو استغلال صرف الأدوية له.
- بالنسبة للمدمنين المصابين بالتهاب الكبد الوبائي الذي يأتي بسبب التعاطي بالإبر الملوثة، أغلب دول الخليج وفرت العلاج له وكذلك دولة مصر وبالمجان إلا البحرين، وقد يكون السبب أن كلفة برنامج العلاج تقدر بـ 30 ألف دينار، لذلك لم توفره وزارة الصحة البحرينية رغم أن عدم علاج هذا المرض يتحول إلى مرض سرطان بالكبد والمريض يظل لمدة عشر سنوات وأكثر مع الآلام، كما إن أنزيميات الالتهاب تمنع المصاب من تناول أي طعام يحوي الدهون لأنها تزيد المرض والآلام، فمعظم الأكل بالنسبة له مضر مما يجعله في وضع صحي حرج وحالة نفسية سيئة لا تسمح له بالعودة إلى الحياة الطبيعية بعد التخلص من الإدمان.
- في دول الخليج هناك برامج علاجية لكل الآفات وكل أنواع الإدمان كالخمور مثلاً، وبرامجهم تركز على التوعية والوقاية والعلاج التأهيلي النفسي للمدمن أكثر من العلاج الجسدي، كما إن المدمن يدخل في برامج محاضرات دينية وتثقيفية ويحصل في مراكز التأهيل التي يقيم فيها على أكثر من خمس محاضرات في اليوم إلى جانب جلسات الدكتور النفسي والبشري والمرشد الديني المستمرة، فلا يمل كمثل ما يحدث في البحرين حيث يظل بلا برامج.
- أغلب مدمني الهيروين يصطنعون أمراض الدسك والآلام لمنحهم المسكنات القوية كالميروفين، مما جعل المسألة تجارة وسوقاً سوداء لهذه الأدوية، كما إن المدمن الذي يستلم دواء «الترمل» الذي يحوي 30 حبة يبيع كل شريحة بعشرين ديناراً رغم أن علبة الدواء تكلف عشرة دنانير فقط، ومدمن الهيروين علاجه الأساسي نفسي لكونه يتعرض للاكتئاب ولكونه يجرب بعد إدمان الهيروين كل أنواع الإدمان الأخرى كالخمور والحشيش والإبر.
- أحد المدمنين ذكر لنا أنه يراجع باستمرار العيادات الخارجية لوحدة المؤيد وأنه لم يستفد شيئاً من الحبوب والمهدئات، حيث لا يوجد طبيب يجالسه ولا مرشد يتابع معه فعلاج البحرين فعلاً يحتاج إلى إعادة نظر.