في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان الحديث جارياً والنقاش محتدماً حول مستقبل أسعار النفط، وتأثيرها على الاقتصاديات الخليجية، وقدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية المحتملة. والآن نحن على مشارف الربع الأخير من العام الجاري، حيث تبدل النقاش، وصار الحديث حول الصراعات المعقدة في الشرق الأوسط، وكيف ستكون الأوضاع.
تشهد المنطقة ثلاثة حروب رئيسة، ويبدو أنها ستدخل مرحلة جديدة وتساهم في إحداث استقطاب حاد في النظام الدولي لينتقل إلى مرحلة جديدة.
الحرب الأولى هي حرب اليمن؛ حيث يخوض التحالف العربي بقيادة السعودية حرباً واسعة النطاق وفريدة من نوعها لدحر تمرد الحوثي، وإعادة الشرعية إلى موقعها الصحيح. في هذه الحرب، فإن طرفي الصراع هما التحالف العربي بقيادة الرياض، وطرف مناهض بقيادة طهران التي تدعم جماعة الحوثي المتمردة.
أما الحرب الثانية، فهي الحرب في سوريا التي تتسارع فيها الأوضاع من غير حسم، ومازالت المواقف الدولية بشأنها متناقضة وغير محسومة بوضوح، وهي أكبر الحروب تعقيداً في الشرق الأوسط وراح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين الأبرياء. الحرب السورية تعد ثلاثية الأطراف بشكل رئيس، فهناك النظام السوري فاقد الشرعية، وهناك الجماعات الراديكالية المتطرفة، وهناك الجيش السوري الحر. وتحت الأطراف الثلاثة توجد أطراف أخرى متعددة أكثر صغراً وتعقيداً، وكل طرف رئيس يحظى بدعم إحدى القوى الدولية الإقليمية أو الكبرى مما يطيل من أمد الصراع، ويفاقم من خسائره.
الحرب الثالثة، هي تلك المندلعة في الخليج العربي، وهي حرب كانت غير مرئية، ولكنها اليوم باتت أكثر وضوحاً. طرفا هذه الحرب هما دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، وإيران من جهة أخرى، وتحرص الأخيرة على تسخير كل إمكاناتها لزعزعة أمن واستقرار الخصوم، ولذلك نجد استمرار اكتشاف الخلايا الإيرانية المسلحة، وتتزايد أعمال تهريب الأسلحة إلى دول المجلس. ينقسم العالم إزاء هذه الحرب بين داعم لدول مجلس التعاون، وبين متحفظ ملتزم الحياد أو الصمت في وقت قل فيه الحياد والصمت.
أطراف الصراع في الشرق الأوسط تتكرر، والمواقف الدولية تزداد انقساماً، واليوم الرغبة تزداد لدى كافة الأطراف بضرورة الإسراع في إنهاء هذه الحروب ولكن النتائج المتوقعة من وراء إنهائها لن تكون بما يتوافق مع مصالح كل طرف، بل سيزيد من تعقيد الأوضاع، فهناك حروب كبرى مقبلة عليها المنطقة من المحتم عليها أن تخوضها لإنهاء حالة الفوضى الخلاقة التي ستستمر طويلاً.
النتائج المحتملة قد تؤدي إلى تغيير خريطة الشرق الأوسط، وقد نرى فعلاً ما شاهدناه خلال السنوات الماضية من خرائط غربية مبتكرة لشكل المنطقة ودولها.