نعيش الآن حالة حرب لا تقل أهميتها عن الحروب التي خاضها الخلفاء الراشدون في فتوحاتهم لنشر وتقوية الدولة الإسلامية وردع أعدائها، ونعود هنا إلى بعض الصفات والسمات والتشابه بين الحروب التي خاضها المسلمين في بداية الإسلام ضد أعدائهم وما يحدث اليوم في حرب «عاصفة الحزم» على العدوان الذي تعرضت له اليمن من دولة الفرس.
لقد كان استشهاد 45 جندياً إماراتياً و10 جنود سعوديين و5 جنود بحرينيين دفعة واحدة، له الأثر الكبير في النفوس بالطبع، ولكن كان نتيجة فقدانهم تضاعف التحدي والإصرار في نفوس الجيوش الخليجية التي اجتمعت اليوم على أرض الحرمين الشريفين، وهو إن شاء الله سيكون نفسه الإصرار والعزيمة الذي سار عليه الخلفاء الراشدون بعد وفاة النبي ومواصلتهم في ردع أعدائهم، وهاهي خطبة «أبو بكر الصديق» التي ألقاها إثر بيعته عن عزمه على مواصلة الجهاد، حيث قال فيها «فاتقوا الله، وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله المسلولة، ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله، فلا يبغين أحد إلا على نفسه».
وها هي المواقف تتشابه وإن اختلف الزمان والمكان، ومنها نسوق مثالاً، وهو الجيش الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لتجهيزه بقيادة أسامة بن زيد ليتوجه نحو البلقاء من أرض الشام بقصد إرهاب دولة الروم وإعادة الثقة إلى قلوب المسلمين، بعد أن بلغت غطرسة الروم بمنع العرب عن دخول الإسلام وقتل كل من يخالفهم في الدين، وقبل أن ينجز الجيش مهمته وهو في طريقه توفي صلى الله عليه وسلم، وطلب المسلمون لتغيير الأحوال وتدهورها من أبي بكر الصديق الرجوع بجيش أسامة، فما كان من أبي بكر إلا أن قال مقولته الخالدة «والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعثة أسامة كما أمر به رسول الله، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته»، ولما استأذنه أسامة في الرجوع بجيشه من الجرف إلى المدينة خوفاً على الصديق وأهل المدينة، لم يأذن له، وقال «لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله».
ولقد كان لجيش أسامة أثر كبير على هيبة الدولة الإسلامية آنذاك، بعدما عاد الجيش بقيادته منتصراً بعد أن أرهب الروم، حتى قال لهم «هرقل» وهو بحمص بعدما جمع بطاركته: «هذا الذي حذرتكم فأبيتم أن تقبلوا مني، قد صارت العرب تأتي مسيرة شهر فتغير عليكم، ثم تخرج من ساعتها»، فتعجب الروم من هذه الشجاعة والإقدام والتضحيات حتى قالوا «ما بال هؤلاء يموت صاحبهم ثم أغاروا على أرضنا».
وبعدما رجع أسامة رضي الله عنه منتصراً خرج أبو بكر رضي الله عنه في جماعة من كبار المهاجرين والأنصار للقائهم، مهللين مكبرين، وتلقاه أهل المدينة بالسرور والفرح، وكان لهذه الغزوة أثراً في حياة المسلمين وفي حياة العرب الذين فكروا في الثورة عليهم بعد موت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ففعل جيش أسامة بسمعتهم ما لم يفعله بقوته وعدده، فأحجم من المرتدين من أقدم، وتفرق من اجتمع، وهادن المسلمين من أوشك أن ينقلب عليهم.
وهاهم اليوم ينتفض المسلمون من جديد لمواجهة الدولة المتربصة بهم، أعداء الأمس، الفرس، الذين تآمروا للقضاء على الإسلام منذ بدايته، حيث قدم الفرس ومعهم الروم للعرب الثائرين ضد المسلمين الكثير من المساعدات كما استقبلت الفارين منهم، حتى عزم المسلمون على مواجهة أعدائها المتربصين بها. إذن المواجهة هي نفسها والعدو هو نفسه، هي حرب بين الحق والباطل، الذي سخر الله له اليوم جنوده على الأرض ليشرفهم بالقضاء على أعداء الدين الذين عاثوا في أرض المسلمين فساداً.
إنها حرب جديدة لم تألفها الشعوب الخليجية، ولكنها حرب مصيرية، يجب أن لا يتوقف فيها الحماس ولا أن يسمع إلى أي رأي يطالب بسحب القوات أو التراجع أو القبول بأي هدنة مهما كان الثمن، فهاهو أبو بكر الصديق يقسم أنه لن يتراجع عن نصرة المسلمين في الشام، مهما كانت النتائج، ومهما تدهورت أحوال المسلمين، لأنه استيقن النصر وبأن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، ولم يبال مهما أجلب عليهم من خلق الله، لأن سيوف الله مسلولة.
نعم إنها السيوف نفسها مازالت مسلولة، وأن المسلمين اليوم نصروا دينهم، وها هي إمارات النصر واضحة، وها هي الحجيج مجتمعة في أرض الحرمين، إنه نصر الله الذي أكرم به المسلمين، فاجتماع الحجيج في بيت الله بشرى من بشائر النصر، واجتماع جيوش المسلمين في أرض الحرمين للدفاع عن عقيدته ونصرة المسلمين في نفس الوقت بشرى ثانية، واستشهاد كوكبة من الجنود دفعة واحدة هي بشرى ثالثة، إنها بشائر النصر القادم بإذن الله؛ إصرار وعزيمة مسلمين اجتمعوا تحت راية واحدة، وحجيج تهلل وتكبر، إنه النصر القادم.. ستنتصر هذه الأمة، وستنتصر هذه الحرب «عاصفة الحزم»، كما انتصرت بعثة أسامة بن زيد عندما كسر أنوف المستكبرين، ستنتصر هذه الحرب عندما تولدت اليوم في قلوب شعوب دول الخليج الإصرار والعزيمة في كسر أنوف الفرس الذين طغوا في بلاد العرب.