في الأسبوع الماضي أرسل لي الصديق الفنان أحمد الزياني فيديو عن رقصة العريس مع أمه المقعدة في ليلة زواجه، رقص معها وهي على الكرسي المتحرك دون الاهتمام بالآخرين، فقد كان معها بقلبه وروحه وجسده، كأنما كان يريد أن يشكرها على كل ما قدمته له في حياتها، وأقول بصدق؛ استطاع هذا الفيديو، رقصة العريس مع أمه، الدخول إلى القلب دون استئذان، ساحباً منه الدموع التي جففها ما يجري أمامنا، وما نشاهد، وما نسمع من أحداث، تشيب لها الطفولة قبل أن تمشي على قدمين.
الفيديو جاء تحت عنوان (عريس يلقن العالم درساً بالوفاء في حفل زفافه)، ويقول التعليق ربما هذه هي الرقصة المسجلة الأجمل بين أم وابنها في التاريخ، في لمسة وفاء نادرة، ما أن حان موعد الرقصة الأولى في حفل الزفاف حتى تقدم العريس الأمريكي «لوك» نحو والدته التي تعاني من مرض تصلب الجانبي الضموري، ودعاها بدلاً من عروسه «كريستينا ريهو» إلى مراقصته وهي على الكرسي المتحرك.
تأثرت الوالدة بشدة وبدأت بالبكاء، في الوقت الذي حافظ العريس على هدوئه وابتسامته بتأثر شديد، وغمر والدته وسط تأثر ودموع الحضور.
ونشرت العروس «كريستينا» الفيديو بنفسها على قناتها على يوتيوب، معلنة أن والدة العريس توفيت بعدها بأيام قليلة، ليخلد هذا الفيديو بعد رحيل الأم أجمل لحظات حنان وحب ووفاء.
البر في اللغة: بر: الخير الجمع، أبرار: بِرُّ الوالدين (طاعة) الوالدين، البر بالوالدين معناه طاعتهما وإظهار الحب والاحترام لهما ومساعدتهما وهو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعادلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال، والحديث معهما بكل أدب وتقدير، والإنصات إليهما عندما يتحدثان، وعدم التضجر وإظهار الضيق منهما، وقد دعا الإسلام إلى البر بالوالدين والإحسان إليهما وذكره بعد الأمر بعبادة الله تعالى.
وتقول الموسوعة الحرة إن بر الوالدين أقصى درجات الإحسان إليهما، فيدخل فيه جميع ما يحب من الرعاية والعناية، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين، حتى قرن تعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته، التي هي توحيده والبراءة عن الشرك اهتماماً به وتعظيماً له، ومن روائع الدين الإسلامي تمجيده للبر حتى صار يعرف به، فحقاً إن الإسلام دين البر الذي بلغ من شغفه به أن هون على أبنائه كل صعب في سبيل ارتقاء قمته العالية، صارت في رحابه أجسادهم كأنها في علو من الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء، وأعظم البر (بر الوالدين)، الذي لو استغرق المؤمن عمره كله في تحصيله لكان أفضل أنواع الجهاد.
إن ما قام به العريس الأمريكي «لوك» يعطي العالم درساً أخلاقياً هاماً، وهو أنه لا يمكن أن تفرح الفرح الحقيقي، بزواجك أو نجاحك أو ثروتك أو مركزك الاجتماعي، دون أن تعيد الفضل إلى صاحب الفضل ولمن أوصلك إلى هذه المرحلة، أو ما أنت عليه الآن.. إنها أمك.. أمك.. أمك ولن تفرح الفرح التام وتكون سعيداً راضياً عن نفسك إلا من خلال فرحتها وضحكتها.
هل نعي الآن معنى أن نشكر ونرحم ونبر بأمهاتنا اللواتي كن القناة التي أوصلتنا إلى هذه الدنيا؟ هل نعي معنى أن نكون أوفياء لأمهاتنا؟ّ أرجو ذلك..