أمطرني الأحبة القراء والأعزاء من الزملاء وعدد من أعضاء المجلس الوطني الموقر بتعليقات ومداخلات عبر اتصالات هاتفية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تعليقاً على مقال سابق «البحرين.. أكثر من كيلو لحم مدعوم».
جزءٌ معتبرٌ من تلك التعليقات كانت تقول: «لستم أيها الأشقاء العرب المعنيون بما يصدر عن النواب وغيرهم عند الحديث عن العمالة الوافدة»، ولهؤلاء الأعزاء أقول؛ أيفترض أن تكون تلك العبارات باعثاً على الاطمئنان والراحة في نفوس نصف سكان الجزيرة؟! على العكس تماماً؛
فتلك العبارات تخرج القلق من حيزه الأضيق الرافض للعنصرية لحيزه الأوسع، خشية على البحرين ككيان ووجود لارتباطها بهزة كبرى تمس المنظومة الأخلاقية التي تعتذر للعربي من باب الحرج، ولكنها لا ترى بأساً من ممارسة العنصرية ضد الآخرين بغير وعي ولا إدراك أن العنصرية عندما تنطلق تبدأ بالحلقات الأضعف ولكنها ستتسع لتشمل شرائح أخرى لاحقاً على أسس العرق واللون والجنس.
شرارة العنصرية التي ستحرق الأخضر واليابس وتشظي المجتمع، وتضيف تصنيفات أخرى إلى التقسيم الطائفي أنواعاً أخرى من التقسيمات التي لن تتحملها خارطة هذه الجزيرة الصغيرة؛ كالمناطقية والعرقية، وسنعود إلى إقرار مجتمعي جديد بعنصرية متطورة ذات قاموس بمفردات «عربي وغير عربي» و»أبيض وأسود» و»ولد عائلة ومن ساير الناس»، لن تقف جرثومة العنصرية عن الغوص فيما بين لحومكم وعظامكم بحثاً عن عروقكم ونبش قبور أجدادكم علها تصل إلى سبب لرفض الاختلاف وسحل المختلف، وسيدفع الذين لا يجدون غضاضة في الأمر اليوم وأجيالهم ثمناً باهظاً لقبولهم بالمعايير اللأخلاقية التي تستبعد الكرامة الإنسانية وترتضي التفاضل خارج مظلة الدساتير والقوانين.
الباعث الثاني على القلق هو الصدمة العميقة أن بين من يتولون منصب التشريع، الذي يعد الأرفع لارتباطه بوكالة النائب عن عموم الشعب وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، من لا يبدو أنه يمتلك إلماماً بالقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، ويتعامل مع وضع الدولة في المنظومة الدولية على أساس أنها (مستأجرة غرفتين وصالة)، وكل ما عليها فعله هو التصرف بمعزل عن التزاماتها تجاه ما سبق بطريقة «صكي بابج ولا عليج من أحد»، ولا أدل على ذلك مما يطرح من مشاريع القوانين المعيبة التي تم وقفها من مجلس الشورى حيناً أو رفضها من المحكمة العليا لعدم دستوريتها حيناً آخر.
من هؤلاء للأسف من تستهويه الدعاية الشخصية؛ فيسارع إلى استحضار الوافدين كعدو افتراضي كلما خفتت عنه أضواء الإعلام وصعرت له الكاميرات خدها، فتراه يحرض عليهم باعتبارهم «الطوفة الهبيطة»، فلا العامل الذي يكدح تحت لهيب الشمس الحارقة لينظف الشارع أو يشيد الأبراج أو يحفر الطرق ولا رجل الأعمال الذي تدفع الدولة ومؤسساتها الكثير لجذب استثماراته يعرفون السبب وراء هذا الكم من التحريض عليهم، ولا الطريقة الأنسب لردع هذه الفئة التي تصور كل وافد على أنه «مصاص دماء» خلف أهله وذويه ليخطف اللقمة من أفواه الآخرين، والشماعة الجاهزة لكل الظواهر الإجرامية والعادات السلبية، مع أن هناك مئات الطرق لحفظ حق البحريني في بلاده ومقدراته بالقانون والإجراءات السليمة المبنية على حقائق ودراسات علمية، ليس أحدها التحريض وبث العنصرية والتعرض لكرامة الآخرين.
لقد كان ملف الوافدين في البحرين أحد أهم الملفات التي كانت محل إشادة وإعجاب دوليين، جعل بعض المنظمات المشبوهة في حيرة من أمرها، فكيف يطعن العنصريون البحرين في أحد أهم إنجازاتها.
إذا كانت المؤشرات الدولية للاندماج المجتمعي ممهورة بتوقيع التسامح الشعبي الذي جعل قلب المنامة التاريخية يحتضن عشرات الجنسيات والأعراق دون أن يجد آباء وأجداد البحرينيين أدنى غضاضة في ذلك، والتسامح الرسمي الممهور بتوقيع القيادة السياسية للبلاد ممثلة في جلالة الملك حفظه الله، تزينها مواقف معالي وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله ال خليفة الذي لم تثنه ثقل أعبائه في مواجهة الإرهاب عن تذليل الكثير من العقبات والإشكالات التي يواجهها الوافدون ممن وجدوا في مكتبه ومجلسه خير عون.. فأي بحرين هي تلك التي يمثلها العنصريون؟
- ورق أبيض..
تمر البحرين اليوم بأحد أخطر مراحل صراعها ضد الإرهاب، فأي مصلحة مُقدرة ومعتبرة تجعل قادة رأي عام يخلقون أزمات إضافية ويحدثون ثقباً أسود في النسيج الاجتماعي وينضمون إلى جوقة أتباع الولي الفقيه في عزف سيمفونية نشاز في الوقت الذي تحتاج فيه البحرين كل المخلصين (مواطنين ومقيمين) ليقولوا.. لا للإرهاب.