معروف للجميع خطر الإرهاب في المجتمع وتداعياته الأمنية، وقد اتخذت الدول كل الإجراءات لمقارعته والحد من آثاره، إلا أن الموت الخفي الذي يعشعش في مجتمعاتنا ولم تولِ الحكومات الكثير من الجهد للحد من انتشاره والقضاء عليه هو ظاهرة المخدرات والإدمان عليها، أو ما يسمى بـ «الاعتمادية»، والذي يغتال كل يوم وبصمت العشرات من زهور المجتمع المتمثل بشبابها.
فبعد مشاهدتنا للمحاضرة القيمة الجريئة التي ألقتها الطبيبة الاستشارية معصومة حسن عبد الرحيم، رئيسة وحدة المؤيد لتأهيل الاعتمادية، تحت عنوان «الحياة حلوة بدون مخدرات»، والتي أقيمت في مركز كانو الثقافي مؤخراً، مدعمة بالبيانات والإحصائيات تغيرت بعدها الكثير من مفاهيمنا حول ذلك الموضوع البالغ الخطورة والتعقيد.
تناولت المحاضرة الأنواع الأشد فتكاً من المخدرات التي يتم تسويقها عن طريق تجار الموت إلى داخل المجتمع البحريني، وأخطرها قاطبة هي مادة «الشبو» لشدة تأثيرها على متعاطيها؛ بدءاً بالاضطراب النفسي ثم التفكك الأسري ثم السرقة والإجرام في حال عدم توفر السيولة النقدية لشراء المخدرات، ومنتهياً بالضياع والموت المبكر.
وأوردت المحاضرة إحصائيات لوباء أصبح يهدد المجتمع البحريني ويقرع عنده ناقوس الخطر، والأرقام المستقاة للمدمنين هي من إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وهي عالية الدقة بكل المقاييس، ويرتجف قلمي من ذكرها.
وقد تكفلت حكومتنا الرشيدة من خلال دعمها لوزارة الصحة بوضع كل التسهيلات وتوفير أحدث الأدوية العلاجية بموجب توصيات منظمة الصحة العالمية لانتشال المدمن المبتلى، لكن ما أدهشنا هو المبالغ الباهظة التي تتحملها الدولة لمعالجة المدمن.
هناك أسباب عديدة تساعد في انتشار المخدرات في مجتمعنا، والتي تدفع الشباب بسلوك هذا الطريق المنحرف، ولعل من أهمها هو الفراغ الذي يعاني منه الشباب والبطالة والعوز وتدني المستوى الثقافي وغياب الوعي وضعف الوازع الديني والأخلاقي والتفكك الأسري.
وقديماً قيل بأًن «الوقاية خير من العلاج»، ولكون هذه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها شبابنا تشكل تهديداً وتحدياً للحكومة والمجتمع على حد سواء؛ أصبح لزاماً على الجميع البدء في إطلاق حملة وطنية كبرى لمحاربته والحد من آثاره التدميرية وبعدة محاور ومهام لوقف التدهور وانتشال الشباب المغرر بهم وتوجيهم الوجهة الصحيحة ليكونوا أدوات بناء لذويهم وبلدهم، وتحصين وتحذير باقي الشباب الذين يقفون على الحافة وإنقاذهم قبل الانزلاق إلى وادي الموت.
وهذه بعض الرؤى والمقترحات المتواضعة التي نعرضها على ذوي الشأن لدراستها ثم الاستعانة بآراء المتخصصين والاستفادة من البحوث والدراسات العالمية والعربية في هذا الجانب..
-1 إيقاف منح رخص المقاهي الشعبية، والتي أصبحت بؤرة لتجمع الشباب على المساطب والطاولات المريبة عاكفين على الإرجيلة (الشيشة)، والتي هي بداية الطريق للدخان وتعاطي أنواع المخدرات ثم الإدمان، مع إلزام المقاهي الحالية بضوابط صارمة وتشديد الرقابة على البقالات والأزقة المظلمة التي ينتشر فيها بيع وتداول أنواع المخدرات.
-2 إعادة النظر في العقوبات وتحديثها وصولاً إلى عقوبة الإعدام لمن يضبط متلبساً بتجارة المخدرات، إلى جانب ضبط المنافذ وتزويدها بأحدث تقنيات الكشف ووضع حوافز تشجيعية كبيرة لمنتسبي الجهات الأمنية والرقابية التي تكشف عنها مبكراً وتضع اليد على تلك السموم.
-3 وضع برنامج تثقيفي بالتعاون بين وزارتي الصحة والتربية ورجال الدين وكافة مؤسسات الدولة، وإقامة الندوات والزيارات للمدارس والمعاهد والجامعات لإبراز الآثار الوخيمة لتعاطي المخدرات والمسكرات، مع إفراد مساحات في الصحف المحلية وباقي وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
-4 التفكير الجدي في معالجة وملء الفراغ، خاصة في فترة العطلة الصيفية للطلاب، حيث إن الطاقة الكامنة في هذه الفئات العمرية عالية جداً، وعدم استغلالهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة يضطرهم لإشغال وقتهم باللهو، ثم رويداً رويداً ينزلقوا لارتياد المقاهي ثم أصدقاء السوء فالمخدرات.
كما يتوجب على الجهات الحكومية الإيعاز بإقامة الدورات العلمية والتثقيفية وبناء النوادي الترفيهية والرياضية المدعومة، وإلزام الوزارات الخدمية والإنتاجية والمصانع الكبرى والورش بانخراط الشباب بمعيتهم ليكتسبوا المهارات مع منحهم مرتبات تشجيعية ترغبهم بالالتحاق بها.
-5 ضرورة أن تتعامل المؤسسات الحكومية مع المتعافين من شريحة الشباب العاطلين، الذين من الله عليهم وأنقذهم من ضياع وموت محقق، بأن تساهم في دمجهم في المجتمع وتسعى في إيجاد فرص عمل لهم وتخصص لهم مرتباً يتكففوا بها حياتهم وأسرهم لحين دمجهم.
فلنحذر جميعاً من الغفلة وترك الشباب دون متابعة ومناصحة وتوجيه، ولنجد في ملء فراغهم والاستفادة من قدراتهم، فأينما حل الفراغ حل معه الفساد وتبعه تعاطي المخدرات ومن ثم الإدمان، والذي يكون مسوغاً لممارسة كل الانتهاكات والموبقات.
فضياع الشباب أشد خطراً من الإرهاب..