لم يكن صادماً ما نشره أحد النواب الحاليين في البرلمان (...) تعليقاً على إحراز البحرين مركزاً عالمياً متقدماً في قائمة مختصة بالواجهات الجاذبة للعمالة، فالبحرين شهدت في السنوات الأخيرة موجة غير مسبوقة تروج مفاهيم عنصرية تبناها قادة رأي عام؛ منهم كتاب وصحافيون وسياسيون ونشطاء ونواب برلمانيون، طالبوا بتشريع هذه الممارسات، وكان لهذه الحملات نتائج مباشرة خرجت من واقع التنظير لبث الكراهية والتصنيف بعيداً عن المعايير الإنسانية استناداً إلى معايير عرقية وجغرافية.
ولعل مقطع الفيديو المهين الذي صور أحدهم وهو يعتدي على عاملٍ وافد بالصفع والسخرية، في حادثة أثارت استهجان كل من لديه ضمير إنساني، دشنها معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة عبر حسابه في «تويتر»، قبل أن يتبناها نشطاء طالبوا بجزاء رادع لهذا العمل اللإنساني، لم تكن إلا إحدى النتائج التي رصدتها الكاميرا لحملات الكراهية.
سعادة النائب في تعليقه لخص أسباب تفضيل الوافد للبحرين في أربعة عشرة نقطة؛ تشمل السماح للوافد بالأكل والشرب وشراء المحروقات بالسعر المدعوم والسماح له شراء أراضٍ وعقارات وامتلاك الشركات دون شريك وطني، وتصل لمستوى أن تفضيل الوافد للبحرين دون غيرها هو بسبب السماح له بالوقوف في طوابير الخدمات مع المواطن والسكن في ذات الأحياء التي يقطنها المواطنون، ويتدنى ليصل لدرجة أن الوافد يحمل حقيبته ويُغادر أرضه وأهله ويُفضل البحرين كواجهة للعمل والسكن لأنها تسمح للأخير بشرب الخمر بسعر زهيد.
مثير للدهشة أن تكون هذه هي أسباب تفضيل أي إنسان العمل أو الإقامة في البحرين من وجهة نظر نائب بحريني غير محسوب على المعارضة، وكأن البحرين لا يميزها إلا عدم سماحها بإقامة (كانتونات) ومعسكرات عمل (نازية) ونظام فصل عنصري (أبرتهايد) يجعل لهم أحياء مختلفة عن أحياء الآخرين وطوابير أخرى غير طوابير خدمة الزبائن.. مثير للدهشة أن البحرين لا يميزها في نظر سعادة النائب إلا سماحها للوافد بمعاقرة الخمر وارتياد المراقص والملاهي الليلية بأقل الأسعار.
حطت رحالي في هذه الجزيرة منذ قرابة العشرين عاماً، وكنت لا أعرف عن البحرين حينها إلا ما يعرفه شاب عربي يحمل، بحكم التربية والنشأة، قلباً نابضاً بالعروبة، يعشق كل ما هو عربي ويؤمن أن القوة في الاتحاد، فعلمتني أزقة المنامة حيث تسلمت مهام عملي الأولى دروساً في احترام الآخر وتقدير ثقافته والانفتاح على أفكار الآخرين والاستفادة منهم، حيث جمعتني عُرى الصداقة بأعزاء من كل جنسِ ولون ومن كل دين ومذهب؛ تعلمت من جاري «العم عبدالنبي» كيف أعالج أصعب الأمور بالابتسامة، وتعلمت من الشيخ أمان رحمه الله، والذي علم أبنائي وأبناء البحرين تلاوة القرآن في مسجد أبوبكر الصديق بشارع المعارض، أن الأعمال الصالحة لا ترتبط بزمان ولا مكان ولا تعرف معنى الجنسية..
أزعم أنني وغيري كثيرون ممن أسمح لنفسي أن أتحدث باسمهم، وهم من تسيء لهم تعليقات العنصريين، عملنا كل يوم بأكثر مما تفرضه علينا وظائفنا لخدمة البحرين، وأحببناها ووقفنا وسنقف مع سعادة النائب ومع كل بحريني مخلص كتفاً بكتف في كل أزمة مرت بها، ورفرفت أعلامها في قلوبنا قبل أسطح منازلنا عام 2011، وقف أبناؤنا في المدارس كل يوم في نفس الطوابير مع زملائهم بلا تمييز يحيون العلم ويرددون «عاشت مملكة البحرين حرة عربية مستقلة» دون أن يكون باعثهم سهولة الحصول على الجنسية، فهم لا يحملونها، ولا السلع المدعومة ولا الخمر والمراقص.
لم ولن يزحزح إيماننا بالبحرين المطالبون بفصلنا في أحياء وكانتونات وطوابير العزل العنصري، سواء كانوا من ذوي اللحى الذين ينشرون شعارات «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ويستخدمون آلام العامل المصفوع بالعنصرية للدعاية للمبادئ التي لا يؤمنون بها، والتي ما أن يعُن لهم برنامج لتلميع أنفسهم حتى يطووها ليلقوا بها في أقرب سلة مهملات.. أو أصحاب العمائم الذين لا يرون فينا إلا «مرتزقة» تباح دماؤهم.
والحقيقة المجردة أننا نحب البحرين ونفتديها بالغالي والنفيس، وهو ما تجاوز القول للفعل، ونرى فيها أموراً لا يراها سعادة النائب وشركاؤه في مدرسة التعصب؛ نرى فيها صموداً عربياً في زمن الانكسار والخيبات وأماناً صنعته بفضل الله قيادة حكيمة ويدفع ثمنه رجالٌ شجعان بدمائهم، وفيهم من يسيء لهم النائب بتغريداته بنفس الدرجة التي تسيء للمعلمين الذين علموا النائب والأطباء الذين يعالجونه وعامل النظافة الذي ينظف الشارع.. نرى فيها إنجازات تستحق الفخر.. ولكن الحقيقة الأكثر نصاعة وبياضاً أننا نرى في البحرين أكثر من كيلوات اللحم المدعوم وكؤوس الخمر والمراقص، والتي لا يرى سعادة النائب في البحرين غيرها.
ورق أبيض..
لو أن هناك معارضاً أراد قذف البحرين وذمها والحط من شأنها ما كان ليكتب تعليقاً على إنجاز وطني أقسى مما كتبه سعادة النائب.. لكِ الله يا بحرين؛ كم من حجر يرميكِ به عدوك.. وكم من الأحجار يدميكِ بها أبناؤكِ بدعوى الدفاع عنكِ..