لعل الخبر الأكثر إثارة بين أخبار الأسبوع الماضي خبر قيام تنظيم الدولة «داعش» بإعدام 15 من عناصره الأطفال في مدينة الموصل بعد فرارهم من جبهات القتال. حسب المسؤول الكردي الذي كشف عن الأمر، فإن الأطفال تتراواح أعمارهم بين 13 و 18 عاماً، وحسب المعلومات التي يتم تداولها في العراق فإن «عناصر التنظيم خطفوا خلال الفترة الماضية مئات الأطفال من الموصل وأدخلوهم في معسكرات خاصة وجرى تدريبهم فيها على أفكاره وعقائده واستخدام الأسلحة».
لكن ليس «داعش» وحده الذي يقوم بهذا الأمر، فالنظام في سوريا أيضاً يقوم به، والنظام في العراق يقوم به، والميليشيات في سوريا والعراق وفي اليمن أيضاً تقوم به حيث يتوفر باستمرار أطفال في هذه السن وأصغر في صفوف المقاتلين، يأتون إما برضا والديهم بسبب الحاجة إلى المال أو باختطافهم وإجبارهم على القتال أو بإغرائهم وتزيين القتال لهم.
في هذه البلدان الثلاثة بشكل خاص يمكنك مشاهدة طفل يحمل سلاحاً أطول منه، وفي هذه البلدان تحديداً تجد أطفالاً تسكن على أكتافهم رتب عسكرية يأمرون وينهون ويقاتلون. نقل صحافيون عن بعض اليمنيين أن صفوف الحوثيين تضم الكثير من الأطفال المقاتلين، وحسب صحافي ميداني أعد تحقيقاً لصحيفته فإنه تم تجنيد نحو 5 آلاف من الأطفال تم الدفع بهم إلى جبهات القتال وأن «معيار التجنيد هو البنية الجسمانية للطفل وقدرته على حمل السلاح بغضّ النظر عن عمره».
الميليشيات والأنظمة التي اختارت الحرب وسيلة لتحقيق المكاسب تقوم بتجنيد الأطفال وتدريبهم على القتال وتزج بهم في المعارك، وعندما يهربون خوفاً من الموت يتم قتلهم ليكونوا عبرة لغيرهم. ليس «داعش» وحده الذي يقوم بهذا ولكن كل تلك التنظيمات والأنظمة التي لم يعد للطفولة لديها أي معنى ولم يعد لديها أي اعتبار لأي شيء، فالحرب تأكل الأخضر واليابس، وتأكل الأطفال والطفولة.
لا توجد إحصاءات تبين أعداد الأطفال المجندين في هذه الدول أو لدى تلك التنظيمات، فالأكيد أنه يصعب على المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والطفولة توفير إحصاءات يمكن الركون لذا يظل الأمر مرتبطا بالتقديرات وملاحظات الناشطين وبعض المعلومات التي تتسرب بطريقة أو بأخرى أو ما يقوله الأطفال الذين يتمكنون من الهرب وما يتم عرضه من فيديوات سواء عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأكيد هو أن الأعداد كبيرة.
القصة لن تنتهي بانتهاء الحرب في البلدان التي تدور فيها، فالأطفال الذين شاركوا فيها سيصيرون بشكل تلقائي مشاريع لنزاعات مستقبلية وسيشاركون في تجنيد الأطفال الآخرين وتدريبهم، فهم قنابل موقوتة وأدوات خطرة يصعب على مجتمعهم استيعابهم ويصعب عليهم التفاعل مع مجتمعهم، فما رأوه في الحروب التي كانوا وقودها لم يره الآخرون، والموت الذي واجهوه في كل لحظة يتحولون بسببه إلى لا مبالين بأي شيء وإلى عدوانيين لا يرتجى منهم أي خير لأوطانهم ومجتمعهم.
اليوم تتوفر مئات الفيديوهات التي تبين المأساة التي يعيشها الأطفال الذين يتم تجنيدهم وتدريبهم على حمل السلاح والقتال من أجل قضية لا يدركون ما هي ولا يعرفون أسبابها، واليوم تتوفر آلاف التقارير والتحقيقات الصحفية التي تلقي الضوء على حياة أولئك الأطفال الذين فقدوا طفولتهم، ولكن مع الأسف لا تتوفر أي قوانين تحميهم أو تمنع الأنظمة والميليشيات من تجنيد الأطفال والاعتداء على الطفولة، وللأسف فإن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحقوق الطفل لا تستطيع سوى إصدار بيانات الشجب والاستنكار والإدانة والتعبير عن القلق، وسوى الدعوة إلى عدم الاعتداء على الطفولة.
بالمناسبة لا فرق كبيراً بين تجنيد الأطفال والزج بهم في حروب وإعدامهم إن خافوا وبين دفعهم لاختطاف الشوارع والخروج في مسيرات.