لم يكن الخطاب النبوي وما تلاه من خطب الخلفاء الراشدين والتابعين وحتى يومنا هذا، خطاب قط يحرض على الخروج على طاعة ولي الأمر، ولم يكن يوماً خطاباً شاتماً للمسلمين وأولي الأمر، سواء كان والياً أو قاضياً أو إماماً، ولم يكن خطاباً قط فيه استجداء وطلب إغاثة ونجدة من دولة أجنبية أوإمبرطورية شرقية أوغربية، بل كان خطاب وعظ وتذكير، وخطاب محبة وتوحيد، وخطاباً يدعو إلى لزوم الجماعة وطاعة ولي الأمر. لكن يخرج اليوم علينا من يسمي خطابه خطاباً دينياً يتلوه على مسامع الجمهور والحاضرين، خطاباً أوله وآخره تهديد ووعيد، وتحريض على الخروج على الدولة ومطالبة بإسقاط الحكومة والنظام، خطاباً يدعو إلى الفرقة والكراهية، خطاباً يوغر صدور الناس ويثير في نفوسهم رغبة الانتقام، فكم من جماهير خرجت بعد الخطاب الذي يسمى دينياً تحرق وتخرب وتقتل، وها هو الخطاب الذي دعا فيه عيسى قاسم لسفك دماء رجال الأمن، من على منبر المسجد، قال بنص الكلمة وبأعلى صوت «اسحقوهم»، من يسحقون؟! يسحقون بشراً أوكلت إليهم الدولة حفظ الأمن والأرواح. تسحقهم تلك الميليشيات التي تخرج غاضبة بعد خطاب ديني موغر على الدولة، بعد أن وصفوها بالاستبداد وصوروها بأنها دولة ظالمة تضطهدهم، وأن رجال الأمن مرتزقة يجب قتلهم، تلك الميليشيات التي جاءت لتستمع إلى الخطب يركبون المركبات الفارهة تجاراً ورجال أعمال وموظفين في أعلى المناصب في المؤسسات الحكومية والشركات الوطنية، وأبناؤهم يدرسون على نفقة الدولة، ومرضاهم يعالجون في الخارج على حساب الدولة، ثم يقول لهم خطيبهم إنكم مظلومون ومضطهدون، فهل هذا خطاب دين؟ هل هذا خطاب جاء على لسان نبي أو جاء في حديث نبوي؟! لم يتغير الخطاب الديني بهذا الشكل، ويتحول إلى خطاب تهديد ووعيد، إلا بعدما جاء «الخميني» حين ألبس ثورته لباس الدين والتقوى، لتحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية ويعيد إيوان كسرى، والذي على إثر خطابه ووصيته سار من بعده أتباعه وأشياعه في إيران وباقي الدول العربية والخليجية، وها هي ما تسمى «الوصية الإلهية السياسية الخالدة» للخميني وتحت بند «وصية للشعوب» يقول فيها «وأما وصيتي إلى الشعوب الإسلامية فهي، أن اجعلوا حكومة الجمهورية الإسلامية وشعب إيران المجاهد قدوة لكم، وإذا لم تستجب حكوماتكم الجائرة لإرادتكم التي هي إرادة شعب إيران فأجبروها بكل قوة على الاستجابة لذلك، فإن أساس شقاء المسلمين هو الحكومات المرتبطة بالشرق والغرب»، هذا بعض ما جاء في الخطاب الذي يسمى خطابأً إلهياً، وما جاء فيه هو نفسه ما جاء في خطبة أحد أتباع الخميني في 28 سبتمبر 2012، يترجم هذه الوصية فيقول «الشعب هنا مؤمن بأن تكليفه المواصلة في الحراك لتقويم الوضع وتصحيح الأوضاع وأنها مما يقربه إلى الله، وأن هذه الرؤية الدينية الواضحة تجعله أكثر عناداً على المواصلة وهو عناد في الحق»، فهذا هو ما يسمونه اليوم الخطاب الديني ويتهمون الدولة في البحرين أنها تسعى لتكميم أفواههم وتقييد خطابهم، وأن قرار الدولة في الشأن الديني وفرض الوصاية عليه هو أمر مرفوض بالنسبة لهم بدعوى أنهم حريصون على استقلالية الشأن الديني في جميع الظروف والحالات، بينما في حقيقة الأمر هم من استبدلوا الخطاب الديني بخطاب ووصايا تسمى «وصايا إلهية وربانية» مستقاة من خطب أئمتهم ومرجعياتهم الذين استباحوا دماء المسلمين، خطاب يهدد بثورات وحروب على دول المسلمين، ويهددون باحتلال مكة والمدينة. إن الخطاب الديني لم يتحول ولم يتغير على لسان نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وها هي خطبة الوداع جاءت بعد أن انتشر الإسلام، لم يتطرق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهديد ولا وعيد بل ختمها بأطيب الكلام وأحسنه ومنها قوله عليه السلام فيها «أيها الناس إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد.. فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي؟ ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد..»، إنه الخطاب الديني الذي يسير على هديه المسلمين، الخطاب الديني الذي لن تفرض عليه أي دولة إسلامية أي قيود، خطاب يحرم سفك الدماء، خطاب يدعو إلى اتباع كتاب الله وسنة رسوله، أما خطاب الاستكبار والتحريض على القتل والخروج عن طاعة الدولة للوصول إلى سدة الحكم لتأسيس حكومة خمينية في البحرين، فبالطبع خطاب يفرض عليه قيود وسلاسل من حديد، لأنه خطاب يدعو إلى محرقة المسلمين وضياع بلاد الإسلام.