السؤال الذي يطرح نفسه أمام وقوع تفجيرين إرهابيين لا يفصل بينهما سوى يومين، ما الرسالة التي تود الجماعات الإرهابية إيصالها لأهل المحرق؟ ماذا بعد هاتين المحاولتين، لحد كتابة هذا المقال لا نعلم إن كان هناك تخطيط لعمل إرهابي أكبر وأخطر يمس أهل المحرق سيتم خلال إجازة نهاية الأسبوع هذه أم لا؟ هل المسألة ستقف عند حد تفخيخ عدد من مواقع المحرق بقنابل محلية الصنع تستهدف رجال الأمن أو هناك عمليات إرهابية نوعية أخرى؟
المدقق في أماكن وقوع الانفجارين سيجد أن الانفجار الأول وقع بالقرب من مدرسة طارق بن زياد ومسجد بزه، وهو موقع حيوي يطل على الشارع وقريب من مطار البحرين، وتم خلال يوم الجمعة الماضي وكأنه يأتي للتأثير على الحركة الاقتصادية والسياحية، والملاحظ أنه وقت التفجير تم إطلاق شائعة تناقلت على برنامج الـ «واتس آب» الهاتفي مفادها أن هناك تفجيراً آخر وقع بمنطقة أخرى في المحرق بعد التفجير الأول فهل من أصدر هذه الشائعة كان على علم بأن هناك تفجيراً آخر مخطط تنفيذه وتم تأجيله إلى يوم الاثنين مثلاً؟
التفجير الثاني الذي وقع بالقرب من مدرسة عبدالرحمن الناصر بفريج البنعلي «أقدم فرجان المحرق ويعد من الفرجان التاريخية الهامة»، وهي مدرسة قريبة من مديرية شرطة المحرق ومحافظة المحرق ومعروف أن منطقة التفجير هذه تضم خليطاً شعبياً من أهل السنة والشيعة وعدد من المواطنين الذين لهم أصول فارسية خاصة التيارات الشيرازية كما يتمركز بالمنطقة عدد من المآتم والحوزات وهذه المنطقة قد شهدت خلال أزمة 2011 الأمنية العديد من المحاولات الإرهابية لتصعيد الوضع الأمني وشق السلم الأهلي بين فئات المجتمع المحرقي.
هل ما تم في المحرق يعد محاولة لجس نبض أهلها ورصد ردود فعلهم مع المحاولات المستمرة لجس نبض الدولة وكأنها تمهيد لأمور أخطر وأكبر ضرراً خاصة وأن مرحلة ما قبل 14 أغسطس «الزحف الجماهيري الفاشل»، كانت هناك تصريحات إيرانية استفزازية وتفكير في الانتقال إلى مرحلة الإرهاب المسلح فهل فشل مشروع عملاء إيران أمام الخطوات الاستباقية والوقائية لوزارة الداخلية في مداهمة أوكار الأسلحة والمتفجرات والقبض على عناصر الخلايا الإرهابية وقطع الطريق لتصعيد مراحل مشروعهم الإرهابي مما أفشل الزحف الجماهيري «14 أغسطس» الذي كان ينوي تكرار سيناريو أزمة 2011 وجعلهم يتجهون هذه المرة إلى أهل المحرق لإشعال فتيل الفتنة الطائفية لعلها تصيب بعد أن خابت كل المحاولات؟ قد يكون هناك اتجاه يرى أن التفجير يأتي لطموح بإعادة نصب نقاط التفتيش وتكوين اللجان الشعبية واستفزاز أهل المحرق العقلاء بحيث تندلع شرارة الفتنة الطائفية في المناطق الحساسة التي تمت فيها التفجيرات مما سيكون له انعكاساته بالطبع على سياحة واقتصاد البلد نظراً لموقع المحرق الاستراتيجي ووجود المطار فيها.
للعلم، ليست المخططات الإرهابية وحدها من تستهدف المحرق وأهلها الطيبين، إنما أيضاً كانت هناك العديد من المخططات الأخرى التي تستهدف محو هوية فرجانها العربية الأصيلة وتغيير مسمياتها إضافة للسعي الدائم لتغيير التركيبة السكانية لها وتكثيف تمركز مواطنين فيها من أصول فارسية الولاء للبحرين يكون ثانياً لا أولاً! خلال أزمة البحرين الأمنية 2011 كان هناك اتجاه يرى وجود طموح بعزل المحرق كجزيرة عن البحرين وتحويلها لأرض إرهابية منفصلة كما كانت هناك تمويلات خفية تتم لتملك العديد من العمارات والبيوت بالمناطق الجديدة كالحد والبسيتين، من التساؤلات المطروحة أيضاً هل التفجير الثاني جاء كردة فعل بعد صدور توجيه لسمو رئيس الوزراء ببناء جسر رابع يصل بين شمال البسيتين ومشروع خليج البحرين؟ كردة فعل بعد تصريح وزير الداخلية خلال لقائه بنخبة من المواطنين والفعاليات المجتمعية ودعوته لمزاولة الخطاب الديني بعيداً عن الخطاب السياسي التحريضي وتأهيل الخطباء وإصدار تشريع يكافح التمييز والكراهية والطائفية؟ كلها علامات استفهام متداولة.
بالعودة إلى ذاكرة الحراك السياسي في المحرق نجد أن الوفاق وأذنابها من جمعيات كوعد قد تعبوا من محاولة اختراقها انتخابياً والسيطرة على إحدى دوائرها الانتخابية حيث كل محاولاتهم من عام 2002 إلى 2010 قد فشلت وهو أمر أوصل لهم رسالة موجزة من أهلها المخلصين أنها أرض للشرفاء لا للعملاء! إنه من الصعب خداع أهلها بالشعارات الرنانة وبالمطالب الشعبية التي تخفي وراءها أجندة سياسية خارجية.
مدينة المحرق مدينة العقلاء فعلاً، وهي ليست مدينة بل إمبراطورية حب في قلب كل من يسكنها، وأهلها فيهم من الحكمة ما يجعلهم يفطنون إلى ما بين سطور عمليات التفجير الأخيرة التي تمت على أرضهم، من يحاول أن يلاعب أهل المحرق إرهابياً ستبين له الأيام كيف المحرق بجغرافيتها الجميلة التي لطالما فتحت شهية عملاء إيران للسيطرة عليها إرهابياً، أرض عصية على كل من يحاول زعزعة أمنها و»محرقة» تحرق كل المخططات الفاشلة التي تستهدفها، فهي ليست لقمة سائغة للمخططات الإرهابية وتاريخها الوطني وعطائها في ردم الفتنة وتعزيز السلم الأهلي مستمر للأبد، أهلها يوالون القيادة الرشيدة والجهاز الأمني بالدولة كما فعلوا في عام 2011، ولن يرضوا بظهور بدع الاجتهادات الشخصية التي تزعم حفظ الأمن، المحرق أرض البطولات الوطنية منذ أيام الاستعمار لذلك من يحاول تفجير أمن المحرق سينفجر غيظاً وقهراً وهو يكتشف أن كل محاولاته الاستفزازية فاشلة كما فشل غيره سابقاً .
هناك أيضاً من يرى أن محاولة تفجير القنبلة تأتي كمحاولة لإيصال رسالة من الجماعات الإرهابية أنهم قادرون على الوصول لمناطق الشرفاء الآمنة واختراقها إرهابيا وإيجاد حرب أهلية في المحرق.
إن مرحلة استهداف أمن المحرق تؤكد المطالبات الشعبية المستمرة التي تحمل اليوم عنوان «الإعدام لكل إرهابي» فلو علقت المشانق وأعدم الإرهابيون وطبقت قوانين الإرهاب التي تتبع الاتفاقات الدولية والقانون الدولي لمكافحة الإرهاب لما تجرأ أحد لاستهداف المناطق الآمنة وتفخيخها بالقنابل، ويبدو أن الخطة القادمة لعملاء إيران في البحرين محاولة تعميم الإرهاب في كل مناطق البحرين خاصة التي تتميز بالتعايش المذهبي بين أهلها، لذلك فالمحرق ستبقى دائماً مستهدفة أمنياً فهي أم المدن كما وصفها جلالة الملك، كما إنها أم الوطنية وأم الشرفاء وأرض ولادة لأبناء البحرين المخلصين الأحرار.
اللافت أن حملات التكذيب وادعاء أن التفجير مسرحية حكومية كانت تتداول بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أول لحظات التفجير «أحد مبلغهم عن موعد التفجير واحنا ما ندري ؟» ومعروف أن المرحلة التي تتبع هذا النشاط الإعلامي المضلل ستكون حملات المظلومية والتبريرات بعد القبض على أفرادها إلا أن ما ينبغي قوله إننا سئمنا من بعض الوجوه التأزيمية بالباطن التي ستخرج الآن وتنفي أن يكون بعض أهل المحرق قد عاونوا المجرمين وستدعي أن الإرهابيين جاءوا من مناطق أخرى، طيب من «لفاهم وخششهم؟ من يترك أبوابه مفتوحة لهم؟ القنبلة كيف تم تصنيعها؟» أمام أبواقهم الإعلامية الصفراء التي تكذب وتنفي وتقدم تحليلات أن التفجير مفبرك نقول لهم «الظاهر القنبلة جاءت تتمشى لوحدها؟ وأن من قام بتصنيعها وفجرها كان من الجن اختفى وطار».
البحرين فعلاً عبرت مستنقع الطائفية كما قال وزير الداخلية إلا أنه يبدو أن هناك من لايزال يود البقاء والسباحة في هذا المستنقع القذر ويطمح أن تكون أرض المحرق الساحة الإرهابية الجديدة له لذا فالخونة المدسوسون بين أهل المحرق من الواجب اليوم إنهاء وجودهم في المحرق من خلال مصادرة أملاكهم والحجر على أموالهم وتطبيق القوانين عليهم.