قبل فترة كنت أتحدث إلى مسؤول مطلع، وكان الحديث عن الاقتصاد البحريني فعرج المسؤول في حديثه على فترة زمنية ماضية وهي أزمة 2011، وكيف أن هناك قطاعات هامة ظلت تعمل بذات وتيرتها رغم الأحداث المحلية والإقليمية.
فقال المسؤول «هل تعلم أن القطاع الصناعي بقي يعمل بذات الوتيرة رغم الأحداث وظلت عمليات التصدير مستمرة، وأن نسبة تأثير الأحداث على القطاع الصناعي بقيت في نطاقات معقولة ومقبولة»؟
تذكرت مقولة المسؤول وأنا أراقب الأخبار والتحليلات الاقتصادية حول ما يجري من انهيار لأسعار النفط، وأسعار الأسهم والبورصات العالمية، وكيف أن القطاع الصناعي بأي دولة بإمكانه أن يكون رافداً قوياً للاقتصاد الوطني، وللعوائد التي تدر دخلاً كبيراً على الميزانية العامة لأي بلد.
خلال هذه الأزمة الحالية «أسعار النفط، والأسهم»، أصبحت لدى المتابع توجسات وتحليلات كثيرة، فهل تحول التحكم في الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق؟ صحيح أن أي تطورات اقتصادية وسياسة أمريكية سلبية كانت أم إيجابية تؤثر على الاقتصاد العالمي، وصحيح أن هذا مازال قائماً حتى اليوم، إلا أن ما حدث مؤخراً من أزمة «أسعار النفط، وأزمة انهيار الأسهم» كانت آتية من الشرق، ومن الصين، وليست من أمريكا أو أوروبا.
بدأ مسلسل الانهيارات من خلال ما قام به «البنك الصيني المركزي» حين خفض سعر العملة الصينية «اليوان»، كان ذلك في 11 أغسطس الجاري مما جعل هذا الإجراء يؤثر على كل العالم، وحدث ما حدث من انهيار لأسعار النفط، وأسعار البورصات.
أي أن الشرارة هذه المرة أتت من الصين، وليس من «ناسداك»، أو غيرها من أسواق الأسهم العالمية، وهناك من يرى أن لأمريكا دوراً في هذه الأزمة في أسعار النفط لمعاقبة الدول التي خفضت الأسعار لتضرب مشروع النفط الصخري الأمريكي، فقامت أمريكا بمعاقبتهم بدورها وكأنها تقول علي وعلى أعدائي.
في كل مرة تنهار فيها أسعار النفط عالمياً، تتجدد مشكلاتنا القديمة والحديثة محلياً، عجز موازنات، واقتراض، وزيادة في الدين العام، ذلك أننا نحتاج إلى أن يصل سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً، حتى تتساوى الإرادات مع المصروفات.
وهذا يظهر أن هناك خطأ في المصروفات العالية لدينا، وليس خطأ في أسعار النفط بالضرورة.
كل دولار ينقص من سعر برميل النفط يعني خفض موازنة البحرين بمقدار 20 مليون دولار سنوياً..!
من هنا، فإن ملف تنويع مصادر الدخل دائماً ما يبقى حاضرا إذا ما انخفض برميل النفط، وإذا ما تخطى الـ 120 دولار للبرميل، ننسى هذا الملف وربما نتجاهله ظناً منا أن الأسعار لن تهبط.
تمتلك البحرين مقومات كثيرة لزيادة مداخيل الميزانية العامة، فما نمتلكه من قطاع مصرفي عالمي وكبير ينبغي أن يساهم في قوة الاقتصاد الوطني البحريني. كما أن القطاع الصناعي ينبغي أيضاً أن يكون هو المحرك الأكبر للاقتصاد الوطني البحريني، وهذا أيضاً يظهر حاجتنا الى مشاريع صناعية كبرى مثل «البا والبتروكيماويات وغيرها» فلم نقم كدولة بالشراكة مع القطاع الخاص بإنشاء مثل هذه المشاريع الكبرى منذ زمن بعيد، وكل ما يقام هو للقطاع الخاص.
بالمقابل تحتاج البحرين أيضاً إلى ثورة في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وأن نجعل الشباب يتوجهون إلى مشاريعهم الخاصة بدل انتظار وظيفة حكومية جامدة، من المهم جداً أن تتوجه السياسات إلى دعم المشايع الصغيرة والمتوسطة، أو أن نجعل مدينة صناعية متكاملة لإقامة مثل هذه المشاريع التي ينبغي أن تكون تكاملية، بمعنى أن المشاريع تكمل بعضها وتصبح مثل السلسلة، حلقة تشد الأخرى.
صحيح أن بنك التنمية يقوم بدور كبير، وصحيح ان هيئة تمكين ايضا تقوم بدور في هذا المجال، إلا أن المطلوب هو أن نوجه الشباب نحو الصناعات التي يحتاجها الوطن، ويحتاجها الاقتصاد الوطني، وتصبح مكملة لمشاريع كبرى قائمة، أو مكملة لمشاريع صغيرة أخرى.
لو كانت لدينا حركة تجارية كبرى، وتجارة إعادة التصدير، ومشاريع اقتصادية تقوم على الاستيراد والتصدير، لتضاعفت مداخيل الجمارك اضعاف ما هي عليه اليوم، كل ذلك مرتبط بالمشاريع الاقتصادية، وحركة التجارة بالبلد.
فيما يتعلق بالسياحة كونها ينبغي أن تكون رافداً قوياً للاقتصاد الوطني، فقد تحدثنا كثيراً في هذا الجانب، بينما ترتبط السياحة بالأمن كثيراً، فلن يأتي سائح إلى بلد لا يشعر فيه بالأمان.
ناهيك عن قضية أخرى هامة جداً، وهي أننا لا نملك مقومات جذب السائح الخليجي والأسرة الخليجية، وبالتالي أصبحت خيارات السائح الخليجي تتوجه إلى دبي والدوحة، وبقينا نبكي على اللبن المسكوب، ونتحسر، ونعيد ذكرياتنا، كنا.. وكنا.. وكنا، فلا نتعب من «الفعل الماضي» بينما الآخرون يعملون على الفعل الحالي، والفعل المستقبلي.
حين أشاهد حجم الإقبال من جانب الإخوة السائحين من المملكة العربية السعودية على جزر امواج «مثلا»، أقول في نفسي هذا مشروع قائم على المطاعم والكوفي شوب والبحيرة التي في الوسط، وبعض السواحل، بالإضافة إلى بعض الفنادق، لكنه ناجح اليوم، ويستقطب السائحين السعوديين بشكل لافت.
رغم أنه ليس فيه شيء مختلف، لا مدينة ألعاب، ولا صالات سينما، ولا ألعاب مائية كبيرة، فقط مطاعم ومقاهي، فماذا لو فكرنا في مشاريع كبرى للسياحة؟
لماذا نبقى مرتهنين إلى سعر برميل النفط، ونحن كبلد في وسط الخليج نمتلك مقومات كثيرة ولكننا لا نستغلها، ولا ننميها، ولا نضيف إليها، ولا نأتي بالخبراء ونقول لهم نريد أن نصبح قبلة في كذا وكذا، فما هو رأيكم؟
بعض المصادر تقول إذا ما وصل سعر النفط دون 37 دولاراً للبرميل، فلن تستطيع البحرين دفع رواتب الموظفين، ولا نعرف هل هذه المعلومة صحيحة ام لا..!!
هناك مشاريع كبيرة وهامة مثل مشروع المطار الذي ينبغي ان يساهم بشكل كبير في إيرادات ميزانية الدولة بشكل مباشر وغير مباشر، إلا أن هذا المشروع يحتاج إلى وقت، ويحتاج إلى مشروعات أخرى تجعل البحرين قبلة في الشحن الجوي، وفي «مسافري الترانزيت» وفي السياحة، لكن هل سيأتي إلينا سائح من دون أن يجد ما يريد ويتمنى؟
في اعتقادي يجب الدفع نحو تخصيص أراضٍ لدفن جزر من أجل إقامة مشاريع صناعية كبرى، فحين نقوم بدفن البحر من أجل مشاريع الإسكان، يكون ذلك جيداً ومطلوباً، إلا أن بذات الأهمية يجب أن ندفن البحر من أجل أن نقيم مشاريع صناعية كبرى، ومدن صناعية كبرى تساهم في تقليل نسبة اعتمادنا على النفط كإيراد رئيس للدولة.
هل ترتكز التنمية المستقبلية بالبحرين على ركائز مثل «القطاع المصرفي وتنميته وتوسعته وجذب المزيد من المصارف وجعل البحرين عاصمة للصيرفة الإسلامية، الصناعات الثقيلة والمتوسطة والصغيرة، وإقامة مشاريع سياحية كبرى، والتعليم والتدريب النوعي»؟
هل لدى الدولة توجه نحو ذلك؟
ما هي قائمة أولوياتنا بعد الأمن؟
أين نقف اليوم.. وأين نريد أن نكون..؟
كلها أسئلة تحتاج إلى إجابة من خلال الاستراتيجيات التي تطبق فعلاً، ولا تسطر فقط على الورق.
** تصدير السلع المدعومة..!
لفت انتباهي موضوع أثارته شركة مطاحن الدقيق حول طلبها تصدير سلع مدعومة.
ففي ذات الخبر الذي نشر، استدرك كاتب الخبر وقال: «إن هناك قراراً حكومياً يمنع تصدير السلع المدعومة».
كيف تطالب شركة مطاحن الدقيق بتصدير منتجات هامة الى الخارج، بينما هذه السلع تدعهما الدولة من أجل أن تقدم للمواطن بسعر مقبول؟
الغريب أن شركة المطاحن تريد رفع قضية أيضاً..!
للأسف هناك الكثير من المنتجات البحرينية التي ارتفع سعرها مؤخراً بالسوق، لكنها مازالت تصدر إلى الخارج، وأيضاً نريد أن نصدر منتجات مدعومة من الدولة، فما الذي يحدث؟
وكيف تهبط الأسعار بالبحرين ونحن نصدر كل منتجاتنا الوطنية للخارج، ونصدر ثرواتنا البحرية للخارج، ونساهم في ارتفاع أسعار الأسماك أيضاً؟