الإيجابي في لقاء وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله أمس الأول مع الفعاليات المجتمعية، أن كلمته القوية بمضامينها ومستواها، لم تخل من إعلان إجراءات جادة قامت بها وزارة الداخلية بالفعل وبعضها تتجه للقيام به بشكل متسارع، وذلك في إطار الخطة المرسومة لتعزيز أمن البلاد والعباد وللتصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار والاستهداف.
كانت معظم أجهزة البحرين فيما مضى تتعامل بأسلوب «ردات الفعل»، وهو أسلوب قد تكون له مبرراته حينها، خاصة حينما نتحدث عن أحداث تمر بها البلد للمرة الأولى أو أحداث تحصل بتقطع، ما يعني عدم وجود تأسيس لنهج معين معني بها، ما يفرض التعامل الآني معها.
التفوق في هذا الشأن يكون مبنياً على تراكم الخبرة، وعلى الاستفادة من الدروس، وعلى معالجة أوجه القصور والبناء على الإيجابيات، وهذا ما يمكن أن نلمسه جلياً في أسلوب عمل وزارة الداخلية وفي السياسة الإيجابية التي يتبعها وزيرها المخلص.
وعليه، فإن قول الشيخ راشد بأن الأمور تحسنت كثيراً في البحرين في جوانب الأمن والاستقرار، قول يتفق عليه الأغلبية، بغض النظر عن بعض الحوادث الجانبية التي يفتعلها الغوغاء سواء بسد طرقات بإطارات تتم خلال ثوان معدودة، أو محاولة استهداف دوريات الأمن أو رمي مولوتوفات أو زرع قنابل، إذ نسبتها قلت بكثير، خاصة في ظل تراجع نسبة التحريض ونسبة الحراك الانقلابي.
هذه النتيجة سببها إجراءات مسؤولة بالفعل، تمت على مستوى الدولة والحكومة وطبعاً من خلال تعاون المواطنين المخلصين لبلادهم، وهي المسألة –أي التعاون- هي ما نبني عليه هنا، فالمواطن لا يتوجب أن يقف موقف المتفرج وينتظر الدولة والحكومة والأجهزة المعنية بأن تبادر للتعامل مع بروز قضايا معينة، بل هو أيضاً مطالب بالمبادرة عبر مقترحات ومبادرات والأهم عبر التفاعل المسؤول مع ما يطرح، لذلك فإن «غيرة» المواطن على بلده حينما يرى أفعال تخريب هنا، أو تصرفات مريبة هناك، تدفعه للتبليغ ومساعدة الأجهزة المعنية على تطبيق القانون.
التدابير التي أعلن عنها وزير الداخلية مبشرة بالخير، وذات اتجاه إيجابي فيما يتعلق بحفظ الأمن الوطني، وحماية حتى الشباب من التغرير، وصون حرية الأفراد من تعدي الفئات المغرضة عليها، وهنا من الإيجابي التذكير بها، حتى لا ننساها كمواطنين، من مسؤوليتنا التعاون مع الأجهزة المعنية للحفاظ على المصلحة العليا للوطن:
أولاً: احتواء كل ما من شأنه بث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد؛ هذه النقطة تدخل فيها عملية ضبط الممارسات المجتمعية الصادرة من جمعيات وحتى أفراد، والتي تتضمن خطاباً تقسيمياً، أو «توصيفات» متطرفة بحق فئات وأفراد، وتستدعي تجريم ومعاقبة من يمارس أية أساليب مثلها وغيرها هدفها الرئيس ضرب وحدة المجتمع. الطائفيون هم الخطر الأكبر على هذا البلد، ورأينا كيف كان الخطاب طائفياً في الانقلاب الفاشل.
ثانياً: مشروع السياج الأمني بما يمنح مراقبة دقيقة للإبحار في مياه البحرين الإقليمية؛ وهذه خطوة إيجابية بالفعل، خاصة في ظل استمرار مساعي جارة السوء إيران لإدخال السلاح وتهريبه للبحرين عبر طوابيرها الخامسة وأذرعها العملية، وهي المسألة التي كشفت مرات ومرات، واتضح بأنها تتم مع دول خليجية أخرى، لكن شواهدها كثيرة في البحرين. بالتالي مسألة مراقبة المنافذ البحرية هامة جداً، وندرك بأنها شاقة أيضاً وتتطلب جهوداً وموارد داعمة.
ثالثاً: وضع ضوابط عامة تنظم السفر للمناطق الخطرة ذات النزاعات المسلحة؛ ويأتي ذلك في إطار الحرص على سلامة المواطن البحريني، وعلى تجنيبه التعرض للأذى أو لظروف تفرض عليه القيام بأمور تتنافى مع التزاماته بواجباته ومسؤولياته الوطنية.
رابعاً: وضع ضوابط تنظم سفر من هم دون الثامنة عشر؛ وهي المسألة التي من خلالها استغلت جهات أجنبية كثيراً من شباب البحرين ودخلت لهم من مداخل أيديولوجية ومذهبية، بالتالي أدخلت لـ»بؤر» أكثر تشدداً في تشريب مفاهيم المظلومية والتبعية العمياء، إضافة إلى إخضاعهم لتدريبات في معسكرات يتعلمون فيها حمل السلاح والقتال ومناهضة الأنظمة. وكم لدينا من الشواهد تلك التي تتحدث عن شبان بحرينيين صغار تدربوا على حمل السلاح في معاقل حزب الله في جنوب لبنان، أو لدى الحرس الثوري الإيراني.
خامساً: إبعاد المنبر الديني عن الخطاب السياسي التحريضي، وتأهيل الخطباء وفق شروط تشمل الحصول على تصريح لمزاولة الخطابة وألا يكون الخطيب منتمياً إلى أي جمعية سياسية.
وهنا وضع الشيخ راشد يده على الجرح، فما عنيناه من تحريض ومناهضة ضد الدولة، ومن إباحة للإرهاب والعنف، واستهداف رجال الأمن، وغيره من ممارسات أثرت على الاستقرار الأمني للبلد، كان مصدر رئيس هذه المنابر التي استغلها مشتغلون سياسيون باسم الدين ليؤثروا على الناس بذلك ويدفعوهم للتوهم بأن محاربة الدولة «جهاد مقدس» وأن نصف الشعب «حسينيون» لابد وأن يحاربوا النصف الآخر كونهم «يزيديين»! هذه الضوابط مهم تطبيقها، برجاء أن يتم الحرص على أن يكون المنبر الديني للدين فقط لا للسياسة التي تؤثر على استقرار البلد. ولمن يعترض على هذا القول، نقول له: والله الأمثلة كثيرة والشواهد موجودة على سوء استغلال منبر الرسول بهدف دفع الناس للموت ومحاربة الدولة والحديث عن السياسة أكثر من الدين نفسه. بالتالي من يرد الانشغال بالسياسة ليترك الاشتغال بالدين، ومن يرد الانشغال في الدين ليترك الاشتغال بالسياسة.
أخيراً: إصدار تشريع يكافح التمييز والكراهية والطائفية خصوصاً في ظل ما تعانيه المنطقة من تطرف سني وشيعي.وهنا ندعو الحكومة ومجلس النواب لتحريك مثل هذه المشاريع بسرعة وإقرارها مع ضبط بنودها بشكل محكم بلا تعطيل، إذ هذه القوانين تضبط العملية أكثر وتحدد عقوبات قانونية رادعة لكل من تسول له نفسه اللعب في مقدرات الوطن وأمنه وأمن أهله والمقيمين فيه. خارطة طريقة سليمة رسمها وزير الداخلية بهدف حفظ الأمن القومي والتصدي للاستهدافات الخارجية والداخلية، نأمل بأن يأتي تنفيذها بنتائج تعود خيراً على بلادنا الغالية.