نود التنبيه بداية إلى مسألة هامة يعاني منها من يحمل هم مناقشة الملف الطائفي الشائك ويلقي بالضوء على ظاهرة «الطائفي الأخرس»، فعندما نناقش عدم وجود توازن في مواقف بعض إخوتنا الشيعة، الذين لا تظهر أصوات إداناتهم إلا عندما تمس الجرائم أبناء طائفتهم، مقابل أهل السنة الذين أدانوا تفجيرات مساجد الشيعة في الكويت والسعودية، ويدينون باستمرار تفجيرات العراق وسوريا ولبنان، فليست لديهم مشاكل في إدانة الإرهاب أياً كان شكله ومذاهب مرتكبيه، وتأتي أصوات ترى عدم التكلم بهذه الطريقة وتبرر ذلك بالقول؛ هذه الفترة نحتاج لنتجنب هذه المواضيع، فالتوجه العام يتجه نحو التعايش المجتمعي وعدم إثارة أي مواضيع تخص المذاهب، ونحن مع ذلك؛ لكن نتساءل؛ إن لم يتم تشخيص المرض فكيف يتم العلاج؟ وإن لم تكن هناك مكاشفة ومواجهة صريحة وعميقة؛ فكيف نتفق؟ هل نريد دائماً أن نلجأ للمعالجة بالمسكنات؟ علينا أن نضع النقاط على الحروف ونقوم بعملية جراحية لإزالة الورم الطائفي حتى نخرج من هذا النفق ولا تمر به الأجيال القادمة، بل نضمن قطع الطريق حتى لا يتفشى، والمفترض أن مرحلة لم الشمل تأتي بعد مرحلة المعالجة وتطهير المجتمع، فلم الشمل لا يجب أن يحوي مؤزمين وطائفيين!
لا يمكننا اليوم القول إننا نريد تعايشاً ويكون من يرفع الشعارات ويؤكدها بالمواقف فقط من جهة واحدة، فيما تمارس أطراف أخرى تقية سياسية وازدواجية في تصرفات بعض عناصرها ولا يخرج بنفس المبادرات، البعض غرست بداخله قناعات متطرفة وفق أجندات خارجية وبأن عليه القضاء على الطرف الآخر، لابد أولاً من علاج هذا الفكر المتطرف، والذي أدى إلى التغرير بعقول بعض شباب أهل السنة وإقناعهم بالمقابل بتبني أفكار متطرفة ضدهم تحاربهم، مما جعل «داعش» وغيرها من تنظيمات شماعة لتبرير حربه في إبادة أهل السنة، وكأنه لا يدري من فتح أراضي إيران لتدريبهم وتمويلهم محاولاً أن يشتت النظر عن طائفيته التي أزكمت الأنوف، وهو يدرك أن داعش استهدفت مدنيين شيعة كما ارتكبت العديد من الجرائم ليس بحق أهل السنة، مما يعني أنها لا تستهدف الشيعة فقط وإنما هي خلية تكفيرية تقتل كل من لا ينتمي لها، نقول لهؤلاء؛ نريد محاربة كل أشكال القتل والجماعات الإرهابية وليس تبرير القتل الذي تمارسه جماعتك.
من يقوم بجر الأحداث التاريخية وإسقاطها على الواقع لتبرير هدر دماء الآخرين هو طائفي بامتياز، ويجب محاسبته بعيداً عن أي مبررات واهية، ومن يمارس طائفية الأسماء بالسب واللعن والشتم ويرى أن لا بأس بالقتل على الاسم والهوية، كما نرى في سوريا والعراق، وحتى في البحرين، هؤلاء هم من أشعلوا فتيل الطائفية فوجب اقتلاع فكرهم من مجتمعنا حتى نتقدم، من يؤيد قتل الناس وهم آمنون ويهدم مساجدهم بدعوى أن قتلهم رداً على عمليات الجماعات المتطرفة الداعشية، من يقوم باستغلال الدين لإصدار صكوك الحياة والموت، من يستعرض صور حرق المسلمين وعمليات إبادتهم بدم بارد وبقلب بعيد عن الإنسانية ولا يستنكر ما يحصل، من يبرر عمليات إبادة سنة العراق وسوريا بحجة أنهم داعشيين، حتى وإن كان دون أدلة؟! في المقابل نرى النقيض تماماً عند ضبط أي متورط بعمليات تفجير القنابل والمولوتوف ويعارض محاكمته، إما لأنه طفل أو مراهق أو طالب، فهو طائفي المواقف لابد أن يحارب حتى يستقيم مجتمعنا.
منذ فترة قال لي أحدهم؛ لماذا لا تكتبون عن مشهد رجال الأمن أثناء حراسة المساجد والمآتم، وما إن ينتهي هؤلاء من صلاتهم حتى نجد بعضهم يرمون المولوتوف على سيارات الشرطة ومحاولة استهدافهم بالحرق والقتل وكأن دمهم حلال؟ لماذا لا يتكلم أحد عن الجرائم الدموية في العراق وهدم مساجد أهل السنة والشروع في إعدام 7000 سني عراقي؟ لماذا دائماً الفكرة التي يراد ترسيخها بأن دم أهل السنة حلال وأي دم غيره حرام وجب الاستنكار وتسجيل المواقف في الإعلام؟ لماذا تحول الإعلام إلى إعلام أعور يركز على فئة دون الأخرى؟ لماذا عندما يتكلم أحد من أهل السنة ويطالب بمواقف مماثله يحجر على صوته؟
كلامنا لا يعني السوداوية والتشاؤم إنما الأمل ببدء التغيير، فقد نجحت البحرين في عبور نفق الطائفية وتجاوزته بعد أزمة 2011 الأمنية، لكن ستبقى كل طرف متحاملة على بعضها البعض وفي القلوب الكثير، إن لم نبدأ من هنا ومن هذه الزاوية الحساسة ونكاشف أنفسنا.
لابد من الاستناد على الحقائق والمنطق ولغة الأرقام؛ كم عدد الشهداء من أهل السنة الذين هدرت دماؤهم في سوريا والعراق مقابل من سقطوا في تفجيرات المساجد بالكويت والسعودية مؤخراً؟ لا يعني كلامنا هذا أننا لا نستنكر ما حصل أو نقلل من حجم الخسارة البشرية، إنما نحاول أن نقرن كلامنا بدليل واقعي حول الاهتمام بهذه التفجيرات مقابل إهمال الألوف الذين تتم إبادتهم يومياً بطائفية مقيتة.
نعود بالنهاية لكلام أحد الإخوة الشيعة الذي راسلنا برسالة عنوانها «أنا شيعي أرفض إيذاء السنة»، مبدياً استعداده للتبرع بدمه في حال وقوع أي حادث لإخوانه السنة، كما أرسلنا له استعداده لإجراء مقابلة صحافية ليكون نموذجاً حياً وقدوة لتشجيع غيره على الظهور وتسجيل مثل هذا الموقف في الإعلام.
الرد الذي جاءنا منه كان طويلاً نختصره في اعتذاره وعدم الثقة في الظهور لسببين، الأول إنه سيسبب له مشاكل مع أبناء طائفته الذين سيقومون بتخوينه واستهدافه كما يحدث لأغلب الشيعة، وثانياً عدم الشعور بالأمان والخوف من أن تستهدفه الحكومة في حال مخالفتها، أقتبس من كلامه «ما أعتقد بأمان مع أني أشد الناس مخالفة للتقية، ولكن تقية الضرر الشديد موجودة وأنا بين هلالين!»، ثم عاد وذكر أنه سيفكر في مسألة الخروج ويحتاج لوقت.