من التشويه والتقزيم في المناهج التعليمية، ورواج ألفاظ مشينة في أدبيات الشارع الإيراني بحق العربي، كالـ «الحفاة» و»أكلة الضب» و»راكبو الجمال»، إلى العداء المعلن وصناعة ميليشيات إرهابية في أراضي العرب لتهديد أمنهم وسلمهم، إلى الحرب الإعلامية من قبل قنوات ووسائل إعلامية مجندة لتلك الأغراض، تنطلق أغنية الراب الإيرانية «عرب كش» أو «قاتل العرب»، في أقصى تجليات الإعلام الهابط بما تقدمه من صور للعنف وتصوير الأساليب الإجرامية وموضوعات الرعب والوحشية، وما تحمله من عنصرية بغيضة ومقت للعرب.!!
ولا شك في التناغم اللافت ما بين السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول العربية وما بين دلالات ومضامين الأغنية بما تحمله من عدائية وتحريض وقتل، إذ جاء في ملخصات ترجمة الأغنية ما نصه؛ «لم أكن يوماً ما أحب هؤلاء أكلة الجراد» وهي إحدى الصفات المتداولة في أدبيات الشارع الإيراني تجاه العرب، و»انهض يا قوروش فقد بلغ الأمر بنا ليتم تهديدنا من قبل العرب» لتدندن إيران على وتر مظلوميتها الأزلية عند مشهد قوروش بباساركاد -والذي جعله صاحب الأغنية خلفية لإعلانه- فـ»قوروش» أول ملوك الإمبراطورية الفارسية ومؤسسها، ويعد رمزاً للقوميين المتطرفين من الفرس.
ومن ثم يدعو صاحب الأغنية لمقاطعة العرب اقتصادياً وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، حتى لم يجد مخرجاً لتلك المقاطعة إلاَّ اللعب على شعائر الدين وتحويل حج بيت الله إلى إيران بدلاً من مكة المكرمة، وهو ما أراد من خلاله أن يصيب عصفورين بحجر بقوله «يا أيها المواطن انهض لنفرض الحظر على العرب واعلم أن الله هو هنا فأين أنتم ذاهبون».
ثم وبعدما استمد قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، قداسته من الخميني بتلقيبه «الشهيد الحي»، وسطع نجمه كرمز للتدخل الإيراني في العراق وسوريا، ولأنه العصا التي تضرب بها إيران دونما عصيان، فقد كرمه صاحب الأغنية بتخليد اسمه عندما يقول «قاسم سليماني له جيش في كل مكان، هذه هي إيران يا أيها الحمقى، هذا هو جيش قوروش وليس داعش»، وكأنه من جهة أخرى يشير بأصابع الاتهام لجموع العرب ويختزلهم في صورة الداعشي الوحشية.
ولا يخلو الأمر من ترسيخ مبادئ السياسة الإيرانية في الخليج العربي، الذي سعى جاهداً لتأكيد فارسيته «قسماً بالخليج الفارسي سنقضي على اسمكم، وسنضرب رقاب جميعكم عند مقبرة قوروش»، ثم يعلن الحرب ويحدد الوجهة بمنتهى الوضوح والدقة «لو أخطأتم ستدفعون الثمن في الرياض، ومن اليوم فصاعداً بات اسمي قاتل العرب». وأتساءل بعد كل ما حملته الأغنية من مضامين متطابقة تماماً مع مقاصد السياسة الإيرانية في المنطقة، أيمكن أن نعتبرها جهداً شخصياً أو نزغاً فردياً لا صلة له بالنظام السياسي الإيراني؟ إن الحكم على هذه الأغنية لا يحتاج لتفكير البتة، وأنه من غير المحتمل أبداً أن تكون أغنية بهذه الدلالات إنتاجاً فنياً عادياً شأنه شأن بقية البرامج والأغاني، بقدر ما هي إنتاج سياسي إعلامي. ولذلك فإن أي نفي من قبل الحكومة الإيرانية لترخيص تلك الأغنية أو التوجيه لإنتاجها، لا ينطلي على العقول.
بعد أن لاقت الأغنية رواجاً وسخطاً من قبل العرب طالعتنا أخبار متفرقة بنأي وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية بنفسها عن تبني الأغنية، في تصريح للمتحدث الرسمي باسم الوزارة حسن نوش آبادي، معللاً مخالفة الأغنية لسياسة الوزارة القائمة على التمسك بالانسجام والوحدة الوطنية والتقريب بين المذاهب والإثنيات، وكنت قد صدقت ذلك التصريح لو لم يكن من مؤسسة حكومية إيرانية..
ولعل أهم ما يعزز ما ذهبت إليه أن الأغنية بثت في قنوات رسمية ومصرحة من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، فضلاً عن أن «آبادي» لم يدعُ –في تصريحه- لمحاسبة المغني ولا مؤلف الكلمات، بل أوجد عذراً أقبح من الذنب معللاً بأن صاحب الأغنية نشرها باسم مستعار «بهزاد بكس»، ويعد عملاً نشازاً يستهدف الشهرة بين الرأي العام الإيراني، وإني لأعلم علم اليقين أن قوة الاستخبارات الإيرانية لا يقف الاسم المستعار أمامها عائقاً للتوصل لصاحب الأغنية ومعاقبته، غير أن شيئاً كهذا لم تتم الإشارة إليه في ذلك التصريح المهترئ.
وبطبيعة الحال.. لا يحظى كل صنيع سياسي باعتراف رسمي من قبل فاعليه، لاسيما وإن كانوا يعملون في ضوء أجندة معينة تفجر في الخصومة، وترفعها لأعلى درجات العداء.. وإننا اليوم إن حاولنا الإصغاء قليلاً إلى ما جاء من نفي وتصريحات وتأكيدات لعدم تصريح الأغنية من قبل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيرانية، فإن ذلك لن يثنينا عن اليقين بدور النظام السياسي في هكذا إنتاج.
اختلاج النبض..
هناك ضجة مثارة مؤخراً –لاسيما في الكويت- حول الفيلم الإيراني (رتساخير)، تداولت معلومات بشأن إساءة الفيلم إلى سيدنا «الفاروق» عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، ويشارك في تمثيله شخصية خليجية مشهورة. إيران باتت تبدع في إنتاجها الإعلامي الموجه ضد العرب، فيما لا نجد إعلاماً عربياً رصيناً مضاداً لإيران ومساعيها في المنطقة حتى اللحظة.