لماذا يخيل لنا أن شهر أغسطس من كل عام لا يريد أن يرحل عنا دون تلك المفاجآت التي لا تسر، فله تاريخ ليس جيداً في حوادث لا تنسى حدثت خلاله، وقد تبقى منه 11 يوماً، وندعو الله أن تمر بسلام.
حتى من يسافر إلى الخارج هرباً من الحر، واستغلالاً للإجازة السنوية للطلبة، فإنه لا يعرف ماذا يفعل، إن سافر أصبح يريد أن يعود سريعاً للبحرين، وإن بقي داهمته الرطوبة و(كبس) عليه الحر، بينما عليه ضغط الأبناء من أجل السفر، وأنا هنا أتحدث عن شريحة تملك أن تسافر في إجازة الصيف.
أحياناً تكون في إجازة سفر للاستجمام هرباً من الضغوطات اليومية، لكن ما إن تسافر حتى تحدث أمور في البحرين، وتصبح تريد العودة سريعاً، حتى إن كنت في مكان جميل (والجو براد)، فإنك تتحرق للعودة سريعاً، لا أعرف هل هذا الشعور يحدث لأناس كثر أم لا..؟
أردت أن أكتب عن موضوع اللؤلؤ البحريني، والذهب البحريني، فوجدتني أعرج على شهر أغسطس ومفاجآته التي لا تسر في غالبها، لا أعرف هل بسبب الرطوبة العالية بالخارج؟.. قد يكون..!
قبل أيام كنت أشاهد مباراة برشلونة وبلباو، وإذا بالمعلق و(أحسبه مصري الجنسية) يقول عن أحد اللاعبين: «هذا ذهب بحريني أصلي قراط 24»، لم تذهب هذه العبارة مني، رنت في ذهني وقلبي، وقلت في نفسي سبحان الله.. لدينا أمور كثيرة وجميلة نشتهر بها، لكن ربما لم نعد نهتم بها كما السابق.
سمعة الذهب البحرين في الخليج والوطن العربي كبيرة، كان مثالاً لأجمل شيء يمكن أن تفتخر به أي دولة، فقد كانت (الجودة العالية وخلوه من الشوائب) هي سمة الذهب البحريني، وهذا يشعرنا بالفخر كمواطنين ودولة.
حتى حين كنا نذهب إلى محلات الذهب بدول الخليج تجد البائع يقول لك: «لا هذا ذهب بحريني»، ويقصد أن سعره أعلى وأنه ذهب ذو جودة عالية.
لكن ما هو وضعنا اليوم في مجال الذهب وجودة الذهب، وإنعاش سوق الذهب؟
هل حافظنا على سمعتنا الكبيرة التي كانت حديث الناس؟
هل حافظنا على جودة الذهب، وعلى هذه السمعة، ام تركنا بعض التجار يتلاعب بالسمعة البحرينية في هذا المجال؟
هل تطورنا وبنينا على نجاحنا السابق؟ أم توقفنا وتراجعنا؟
نملك مقومات جميلة في هذا الوطن في أغلب المجالات، ولدينا عنصر بشري متفوق ومثابر ويحب وطنه، فلماذا نفرط في سمعتنا وفي ريادتنا لمجال الذهب، ونجعل دولاً مجاورة تسرق منا كل نجاح، وكل تفوق، وكل سمعة طيبة، وتستقطب مقومات نجاحنا؟
نريد من كل الأطراف المعنية، غرفة التجارة ووزارة الصناعة وأصحاب الصنعة والسياحة والثقافة أن يجلسوا مع بعضهم لمناقشة كيف يمكن أن نستعيد وضعنا، وكيف يمكن أن نطور من أنفسنا؟
ماذا ينقصنا حتى نتقدم؟ هل تنقصنا مختبرات علمية متطورة تفتقدها البحرين؟
هل ينقصنا الترويج الكبير خارجياً للذهب البحريني واللؤلؤ البحريني؟
هل نحتاج إلى سوق كبير وبناء تراثي بحريني، ويكون على أفخم طراز ويضم كل تاريخنا وإرثنا في صناعة الذهب، واللؤلؤ وكل المنتجات البحرينية التراثية مثل محلات الصناديق المبيتة، والأبواب البحرينية التراثية، وكل ما هو تراثي بحريني.
والله، إننا كمواطنين نحلم بأن نرى مثل هذا السوق التراثي البحريني الذي يبنى على أفضل طراز ويكون في موقع جذب للزائر، ونجعله تحفة معمارية يحاكي البناء البحريني التراثي، وتحفة من حيث المنتجات الوطنية وكل ما يميز سمعتنا الطيبة في إتقان الصناعات.
قرأت تصريح الأخ الكريم محمود النامليتي حول دعوته لإحياء سوق الطواويش، وهذا أمر هام جداً، يجب أن نعتني بهذه المهنة وهذا السوق، وباللؤلؤ البحرين الأصلي، والذي كان وسيبقى صاحب الريادة في الجودة.
اليوم أصبح هناك إقبال من البحرينيين (وربما الأجانب) على صيد اللؤلؤ وأخذت هذه المهنة تتوسع عند شباب القرى (البديع قلالي والحد وسترة وسماهيج والدير، وغيرها من القرى)، وأصبحت كذلك مصدر دخل جيد لهم.
من هنا نقول لماذا لا نرى سوقاً بحرينياً تراثياً على أحدث طراز ويكون فخماً (فالفخامة تمثل جودة المعروض وسمعة المعروض) ويخصص فقط للذهب واللؤلؤ البحريني والمنتجات التراثية البحرينية، والله سيكون قبلة للزائرين من دول الخليج إذا ما تم الترويج له بشكل محترف.
يجب حصر كل معوقات العمل أمام هذه المهن وتذليلها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ابحثوا في كل سبب يعيق تطور هذه المهن واحصروها، فهذا جزء من تاريخ وأصالة وتراث هذا الوطن، وعلينا أن نحافظ على سمعتنا في المجالات التي تفوقنا فيها، وأحسب أن هذه المهمة ملقاة على عاتق الدولة، فنرجوكم ألا تفرطوا في كل ما هو بحريني أصيل، وفي تاريخنا وسمعتنا الطيبة في المهن الجميلة التي التصقت بالإنسان البحريني.
** رذاذ
انظروا ماذا فعلنا بأنفسنا، من بعد سمعتنا الكبيرة في صناعة الذهب، وفي صناعة اللؤلؤ، وصناعة السفن، وصناعة السيوف والخناجر، وصناعة البشوت، وصناعة الابواب التراثية وكل شيء جميل، من بعد كل ذلك أصبحنا نشتهر بالمعسل البحريني..!
هل هذا شيء مشرف؟
من الذهب واللؤلؤ.. إلى المعسل؟
أخشى أن نضيع خطواتنا، وهويتنا الجميلة، وتاريخنا وإرثنا الحضاري، فنصبح بيئة طاردة لكل ما هو جميل، بينما الآخرون حولنا يستقبلون مواهبنا، ويستقبلون أصحاب المهن لدينا، وربما تجارنا، ويفتحون لهم الأبواب، ويذللون لهم الصعاب، حتى تصبح تلك المهن وتلك السمعة الطيبة لدولة أخرى غير البحرين..!