حبيبتي عدن.. تحية طيبة وأشواق قلبية..
كيف حالكِ؟ أما زلتِ تُطربين العاشقين بأهازيج أبنائك الذين جالوا العالم منطلقين من موانيكِ إلى حيث يحملهم الموج وتحتضنهم بنادر الغربة، يحملون روحكِ المتسامحة وقلبكِ العامر بالحب جيوشاً تخوض معارك الحياة والبقاء والرزق والأمل، فتنتصر وتبني وتتسع لتحتضن الغرباء وتعيد صياغة علاقاتٍ إنسانية فريدة تحمل رسالة الإسلام سلوكاً وفكراً بلا قنبلة ولا تفخيخ ولا تفجير.
هكذا وبكل بساطة وبلا تعقيد وفلسفة تغيرت على أيديهم خرائط الجغرافيا والتاريخ؛ فأصبحت إندونيسيا أكبر دولة إسلامية بلا قطرة دم.. وانتشر الإسلام على يد أساتذة الأخلاق والأمانة في شواطئ شرق أفريقيا التي أصبحت العروبة والإسلام والأخلاق والقيم والوفاء والتكافل والتضامن والإحسان مرادفاً لعدن..
آلاف الأوقاف والمساجد والمدارس والآبار في بلاد بعيدة نقشت أسماء عظماء أنجبتهم وعلمتهم الحُسنى، حتى إذا ما جن الليل رفعوا أصواتهم ينادونك، ويذكرونك بأهازيج و(عدنيات) تفيض شوقاً وحُباً.
كيف حالكِ؟! أما زالتِ العاصمة الوحيدة في الدنيا التي يبتدئ سكانها الكلام بـ «نعم» ويشكون الحال وهم يبتسمون قائلين: «خلها على الله»؟ أما زال الباعة في كريتر يزيدون الكيلة من باب (البغشيش) للزبون ويدعون المارة لمشاركتهم اللقمة بلا سابق معرفة؟ أما زال عمال موانئك كشجاعة آبائهم الذين رفضوا تزويد السفن البريطانية بالوقود أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956؟ أما زلتِ قوية وقادرة على إغلاق بابك في وجه أعداء أمتك كما فعلت عندما أغلقتي باب المندب في وجه العدى 1972؟
كيف حالكٍ؟ أما زلتِ ملجأ الهاربين وملاذ الفارين من جور القريب في بلاد العرب أوطاني، فبغداد لم تعد تحتضنهم بعد أن أصبحت مرتعاً للقتلة والسفلة، وشام العربِ أصبحت مقبرة باسم العروبة.. أما زالت قبور الفارين إليكِ واللائذين بحضنك تقتسم قطعة من ثراكِ مع أبنائك؟ أما زالت شواطئك تحتضن الهاربين من القتل والدمار والجوع تمسح الدمع وتزيل الألم.
حبيبتي.. أعلم أنكِ تتألمين، فما زالت الألغام مزروعة وما زال جرحك رطباً ندياً، أسمع أنينك خلف ركام البيوت في خورمكسر والتواهي.. أرى حزناً في عيني المنصورة والشيخ عثمان قلقاً من المستقبل وخوفاً من المجهول.
ولكني أعرفك قوية بقدر ما يظن الآخرون أنكِ ضعيفة، أعلم أنكِ ستخلقين من كل هذا الدمار أيقونة للنصر والأمل، ستقومين لتسرعي الخطى نحو البناء والتعمير كأنك تؤدين (الشرح الحضرمي) ببراعة.. لن يخذلك هذا الشعب الشجاع الذي امتشقت نساؤه السلاح إلى جوار أشقائهن، ستمحو سحب بخورك سحب الدخان والحرائق ويزيل عسل (دوعن) ما علق بضمائرنا وقلوبنا من مرار وينسينا صوت أبنائكِ من كرامة مرسال وأبو بكر بلفقيه وأيوب طارش صوت الانفجارات والقنابل، كيف لا وقد.. عاد الزمان وعادت عدن!
- ورق أبيض..
تلقيت سيلاً من المكالمات بعد مقالي السابــق (أحاديــث الوحدة) تتهمني بالانحياز للجنوب العربي وترميني بسهام الشك والريبة، لهؤلاء الأعزاء أقول ريحوا بالكم.. اعتبروني عدنياً!