ما يجري من أحداث متسارعة وحراك في الشارع العراقي وخروج الملايين، جلهم من الشيعة الذين اكتووا بفساد الحكومات المتعاقبة، مما أثر سلباً على حياتهم وقضت على آمالهم بحدوث أي تغيير نحو الأفضل وعيشهم بكرامة كباقي الشعوب.
فمنذ ثلاث دورات انتخابية عجاف يتربع على المشهد السياسي العراقي أحزاب دينية استغلت الدين، وساعدهم للوصول المرجعيات والمعممين بمباركة من ساسة البيت الأبيض، وربما حجة تلك المراجع بعدم التخلي عنهم رغم فسادهم وأيديهم الملطخة بالدماء وماضيهم المخزي، هو تخوف المراجع من سيطرة البعثيين أو السنة على المشهد، وقد أخطأت بذلك المرجعية كثيراً؛ فهناك كفاءات ورجال وطنيون مخلصون من الشيعة ما يفتخر بهم العراق.
فالعراق، الذي أنجب قامات من مفكري الشيعة وساستهم أمثال علي الوردي وعبدالرزاق الحسني ومظفر النواب والجواهري ومحمد رضا الشبيبي ومحمد سعيد الحبوبي وحسين الصحاف وغيرهم من الشخصيات التي تركت بصماتها في تاريخ العراق الحديث، فالعراق رحم ولادة العظماء لم ولن يصبه العقم أبداً، وبالتأكيد أن أحفاد أولئك العظام موجودون، وهم يعرفونهم جيداً ومستعدون لخدمة العراق وانتشاله من المستنقع الذي وصل إليه.
وللحقيقة فإن الشارع السني والكردي والمسيحي وباقي الأقليات معروف عنهم الانسجام والتعايش منذ قرون، وليس لديهم حساسية لمساندة أي رجل عراقي أصيل من أي طائفة أو قومية، لكن للأسف جميع من دفعت بهم طهران وواشنطن ووافقت المرجعيات وقادة الأحزاب الدينية عليهم مغرمة أو مرغمة مزقوا العراق وأفقروه وأحالوه إلى خراب.
هم جهلة في أبجديات السياسة؛ بل وكل ما يمت للإنسانية بصلة! لكنهم أبالسة وحاذقون في الفساد والسلب والنهب، وقد نفذ صبر العراقيين من إصلاحهم لطالما أن هنالك دعماً من قضاء مسيس فاسد وفتاوى ضالة وعصابات ومافيات وشركات نفطية ودول جاثمة على صدر العراق، وليت الأمر اقتصر على الفساد لتكفف الناس معيشتهم؛ لكنهم اختطوا طريقاً جهنمياً بإغراق العراق بالفوضى وزرع الفتن الطائفية وبث ميليشياتهم لينحر العراقي أخاه ليخلوا لهم الأمر في نهب البلاد وإفراغه من كل خيراته.
إن ما دفع العراقيين للخروج عن طورهم هذا الصيف، وكان كقدحة الشرارة التي امتدت كالنار في الهشيم هي أزمة الكهرباء المستعصية؛ فليس من المعقول أن يدخل في ميزانية العراق ترليون دولار للفترة المنصرمة عدا القروض والمنح والمساعدات وإطفاء الديون، والعراقيون يكتوون كل صيف بفيح جهنم، وعندما تفتش في صرفيات وزارة الكهرباء تجد أن ما أنفق عليها تزويراً هو عشرات المليارات، أي أكثر من كلفة بناء مفاعلات نووية.
ناهيك عن غرق بغداد شتاء كل عام، واختلاط مياه الصرف الصحي بشبكة المياه المتهالكة أصلاً، ومدارس الطين المهينة، والتردي الصحي والعلمي وتراجع الزراعة في بلد الرافدين، وتوقف المعامل الإنتاجية، فأصبح العراق يستورد كل شيء وانتشرت البطالة والمخدرات والجريمة، ارتفعت نسب الفقر، عدا مئات الآلاف من الأرامل والأيتام وملايين المشردين، كل ذلك يضاف إلى الفشل الأمني الذي أضاع ثلث العراق بيد المجاميع المسلحة، والقائمة تطول من الذل والمهانة التي لا تليق بالعراقي صاحب النخوة والكرامة وسليل الحضارات.
ما يتفاخر به الساسة الفاسدون أمام شعبهم أنهم مهدوا وسمحوا لهم بلطم الخدود وجلد الظهور وبث عشرات الفضائيات التي تزعق بالبكاء والعويل وجلد الذات والتضليل، وأوهموهم أن ذلك هو الذي يرتضيه آل البيت، وهو أقصى فضاء للحرية والديمقراطية، ويجب على الشعب التغاضي عن كل جرائمهم وفسادهم، فنحن أمام دولة تديرها مافيا وتساندها دول.
وذلك جرس إنذار وبرهان لكل شعوب المنطقة، وتحذير بأن لا يخدعكم أتباع الولي الفقيه ويتسلقوا على أكتافكم بحجة المظلومية ومناصرة المذهب، ثم يبيعوكم في سوق النخاسة، ويحيلوا بلدانكم المستقرة إلى خراب وجيف تنعق فيها الغربان.
المأزق العراقي يكمن بمن يسيطر على المشهد، وهي إيران ومرشدها وحرسها الثوري، وليس من السهل إزاحتها وعملائها فإن سئمتم هذه الوجوه الكالحة؛ فستأتي لكم بطاقم جديد وبهندام أكثر أناقة مطرزين أصابعهم بمحابس أكثر بريقاً ويحملون سبحات الشيح والعقيق وجباههم موسومة، ويسبحون بحمد الولي الفقيه غدواً وعشياً.
إن المظاهرات التي انطلقت منذ أسابيع بعد أن دب الوعي وانتفض الشيعي العراقي المنكوب بعد أن نفذ صبره، وعند نصب التحرير في وسط بغداد الرشيد هو مخاض لا شك عسير.
ومتوقع ألا يكتب لها النجاح وستقبر وسيتم اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية، ولن ينال منها العراقي شيئاً، فإن أزيح بعض من منظومة الفساد فهناك منظومات أخرى تنتظر لتتقمص نفس الدور، فضلاً عن أن من أؤتمن على تنفيذ الإصلاح هو (العبادي)، وهو من تلك المنظومة والحزب الذي أوصل البلاد إلى الدرك الأسفل، فحال العراقيين كمن يستجير من الرمضاء بالنار.
ما يهم إيران وكثير من الدول المهيمنة على الشأن العراقي أن تبقى آبار النفط تتدفق وتصب في جيب ملالي قم وكبريات الشركات العالمية، ونصيب من يقوم بالدور محفوظ، كذلك هو محصن من أية ملاحقة قانونية؛ فلن تسمح إيران والدول المنتفعة بملاحقة أي من عملائها، ولو فعلت لانفض عنها العملاء في المنطقة ولا سقط مشروعهم التوسعي، فها قد تم التحفظ على المالكي وتم نقله إلى إيران بصفقة مع العبادي بعد أن تمت إقالته.
إن أردتم إحراج إيران والمجتمع الدولي وإطلاق رصاصة الرحمة على العملية السياسية الذي يئس المجتمع الدولي وشعب العراق من إصلاحها وأصبحت كالجسد الذي أصابه الوهن وانتشرت فيه خلايا السرطان الفتاكة فنصيحتي لكم يا من زحفتم لنيل الحرية أن تلجئوا إلى المحاكم الدولية وإقامة دعاوى سريعة على الفاسدين، بدءاً بالمالكي وطاقمه وقادة الميليشيات والأحزاب الإيرانية، مشفعة بجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، كذلك المطالبة بإبعاد المعممين وتجريم كل الأحزاب الدينية من ممارسة السياسة، والتي هي ألعن من الشياطين وأشد فتكاً من الملحدين.
كذلك أديموا تظاهراتكم السلمية وانصبوا خيامكم أمام برلمانهم ووزاراتهم ومداخل ومخارج المنطقة الغبراء، كما حصل في مصر، وأعلنوا العصيان المدني وارفعوا من سقف مطالبكم بمحاكمة بوش ورامسفلد وكوندليزا رايز وقاسم سليماني وباقي الجنرالات الإيرانية والأمريكية ومن استعان بإيران، فمن هو الذي فوضهم باجتياح العراق؟ كذلك سوف لن تنجح تظاهراتكم دون تحجيم دور إيران في العراق وعودته إلى حاضنته العربية، كان الله في عونكم ونصركم ودحر أعداءكم.