ببرود مفرط، ولامبالاة وانعدام المسؤولية تستمع لاعترافات المتورطين في تفجير سترة الأخير، وقبلهم العشرات ممن تورطوا في الأعمال الإرهابية وعرضت اعترافاتهم إعلامياً. المنطق يقول إن المجرم عندما يرتكب جريمته فإنه غالباً ما يشعر بالندم والأسى ويأسف على ما وصل إليه حاله.
شباب لا تتعدى أعمارهم العشرين تورطوا في تنظيمات إرهابية، تم تدريبهم في الخارج، وعادوا لتنفيذ أجندتهم الإرهابية، وبعد القبض عليهم يتحدثون عما قاموا به بعيداً عن الشعور بالذنب، واللافت أن كثيراً منهم تورط في أعمال إرهابية سابقة سواءً قضى عقوبته قبل فترة أو كان هارباً من يد العدالة.
المسألة هنا ليست في الجرم الذي قاموا به؛ فالعدالة ستأخذ مجراها وستحفظ حقوق الجميع بما فيهم المتورطين، ولكن المسألة تتمثل في كيفية تعرض هؤلاء الشباب لعملية غسيل فكري مقابل حفنات تافهة من الدنانير؟!
الأسباب معروفة، ومصادر صناعة هذا الفكر المتطرف المغلف بعباءة الدين أو المذهب أيضاً معروفة. أعتقد أن الوقت تأخر كثيراً عن عدم القيام بإجراءات محددة لمواجهة مصادر صناعة الفكر الإرهابي، فمهما تم القبض على العشرات أو المئات أو حتى الآلاف من الإرهابيين، فإن الإرهاب سيظل مستمراً مادام هناك من ينتج فكراً إرهابياً، ولديه القدرة على التغلغل بين أوساط الشباب وخداعهم ومن ثم توريطهم تنظيمياً وإرهابياً.
شكل الاعترافات وطريقتها، والسيناريو الذي تعرض له الشباب من تجنيد ومن ثم تدريب في إيران أو العراق، وبعدها القيام بعملية إرهابية لا يختلف كثيراً عن تلك النماذج التي واجهتها الدولة منذ ثمانينات القرن العشرين وبعدها في أحداث التسعينات، وحتى فترة ما بعد الإصلاح إلى أزمة 2011. وهو ما يعطي مؤشراً بأن أساليب المواجهة مازالت تقليدية، وتتطلب أساليب أخرى مبتكرة، والأهم من ذلك أن تكون هناك استراتيجية طويلة المدى لمواجهة أعمال الإرهاب، لا تستهدف القبض على الإرهابيين بقدر استهدافها مراكز إنتاج الفكر الإرهابي داخل وخارج البحرين.
حتى إن بدأنا اليوم في معالجة هذه المسألة، فإن الإرهاب لن يتوقف، لأننا نتحدث عن قضية تتطلب سنوات طويلة من المعالجة -رغم التأخير الحالي الذي يتحمل المجتمع مسؤوليته- والمطلوب جهد لا تقوم به وزارة الداخلية، أو جهات أخرى لوحدها، بل المطلوب عمل مجتمعي جماعي واضح الأهداف ومحدد المراحل وقابل للقياس سنوياً، هذا إذا كنا نتطلع لأن نشاهد جيلاً جديداً من البحرينيين يكرهون العنف، ويحبون وطنهم أكثر من أي شيء آخر.