في الوقت الذي تغذي فيه إيران أتباعها في العالم، ومنذ عشرات السنين، بالحقد والضغينة على العرب والمسلمين وتمدهم بالدعم المادي والمعنوي وتقويهم لمواجهة الأنظمة في دولها لاستلال الحكم منهم، وفي الوقت الذي يستجيب أتباعها استجابة أصبحت علنية في تنفيذ مصالحها وتحقيق مطامعها، هناك بالمقابل من يغذي أجيالاً على السلبية والخجل حتى في التعريف عن أنفسهم، والذود عن أوطانهم والدفاع عن دينهم.
نحن أمة خرجت من عمق الجاهلية العمياء المسيطرة على العرب آنذاك عندما كانوا أضعف الأمم بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم وقشع هذه الجاهلية من جذورها وفي زمن لا يتعدى الأربعين سنة منذ عهد نبوته، لم يغلبها بمدافع ولا منجنيقات؛ بل بفرسان شجعان لا يخافون في الله لومة لائم، حملوا لواء الإسلام بأيديهم حتى أيدهم الله بنصره، فرسان تربوا على القاعدة الإلهية التي تقول: «إذا أصابهم البغي هم ينتصرون»، و»جزاء سيئة سيئة مثلها»، و»فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه»، وأن يكون العفو والصبر في موضع لا يضر الحق، ويعز الصابر ولا يذله.
أما أن يتربى جيل على ما يسميه النصارى بالآية الذهبية، كما جاء في نقد الألباني لها: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الخد الأيسر، ومن طلب منك كساءك فأعطه رداءك، ومن طلب منك أن تمشي معه ميلاً فامش مع ميلين»، فهي قاعدة ليست من صفات المسلم كالسكوت عن البغي والكذب الذي يلصق بهم، وهم يجدون وسيلة مشروعة لدفعه ورده على صاحبه، هذه القاعدة التي لم يلتفت إليها أصحاب الإنجيل في سالف العصر وحاضره، وها هي الحروب شاهدة على كيف دافع الأوروبيون عن أوطانهم ومعتقداتهم، وكيف استطاعوا أن يحموا أنفسهم وحدود بلادهم، وذلك بعد أن لقنوا أعداءهم دروساً مازالت عالقة في أذهانهم، ومازالوا يسيرون على منهجها حتى تعدت صفعاتهم خدود أعدائهم إلى خدود حلفائهم الذين شربوا هذه القاعدة ومازال يشربها حتى اليوم أجيالهم، في الوقت الذي لم تجد هذه القاعدة أي مجال للتسرب إلى العقل المسيحي، سواء أكان جاهلاً أو عالماً رئيساً أو من عامة الشعب كالطفل أو الطاعن في السن.
والقول بأن الدول قد تستطيع أن تجتذب وتغير مفاهيم أذناب إيران فهذا مستحيل، ولذلك استطاعت إيران صنع عشرات أجيال متلاحقة قادمة، بكافة الوسائل. ومن الوسائل التي خصصتها لصناعة هذه الأجيال هو اختراق التعليم الذي فتح له المجال، وخاصة في التعليم الخاص في بعض الدول الخليجية التي صار فيها التعليم الخاص يتزايد بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث تعمل المدارس الخاصة على غرس الطائفية والفرقة وغرس المبادئ الصفوية منذ الصغر في نفوس الأطفال وتقوية ارتباطهم بالفكر الصفوي المبني على سفك دماء المسلمين، وها هي الشواهد في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين.
شواهد تثبت بأن هذا الفكر وصل إلى درجة عدم قبول الدولة أو عدم قبول الشعب من غير الطائفة، ليس بإقصائهم فقط، بل بإبادتهم من على الأرض إن استطاعوا. وما حدث في البحرين من جرائم إرهابية طالت أرواح رجال الأمن والناس -والتي حللتها العقيدة الصفوية- ما هو إلا ثمرة لهذا الفكر العلقمي، الذي لا يمكن أن تعمل الدول على إذابته واقتلاعه مهما حاولت. وها هي التجربة التي قد عاشتها البحرين حين أخذت بعين المحبة هذه الجماعات وزادت في عطاياها وخصتها بالمناصب والمنافع، إلا أن هذا لم يزدهم إلا عتواً واستعلاء وإصراراً على تحدي الدولة إلى درجة العمل على قلب نظامها، وهذا الإصرار مازال متواصلاً.
إذا لنكن واقعيين بعيدين عن العواطف المرهفة والأحاسيس المتدفقة، ونقوم بحماية أوطاننا بقول كلمة الحق وجزاء السيئة بالسيئة وهي إنفاذ القانون الذي يجب ألا يخفف تحت أي ظرف، لأن محاولة التخفيف المستمرة قد ساهمت في تشجيع هذا الفكر المتطرف في التمادي والتمدد والاستقواء.
نحن أمة محمد الخيرة التي إذا مسها البغي تنتصر وترد السيئة بالسيئة، كما أمرها الله في كتابه، أمة كانت تبتر يد أي معتد عليها مهما كان شكل هذا المعتدي ولونه، أمة تنتصر لدينها وعرضها وأرضها، هذه الأمة التي يجب أن تواجه الفكر الصفوي بشدة وصرامة لا تسمح بعدها بالتلاعب في مستقبل دولها ومستقبل أمتها تحت أي شعار أو ادعاء، وبعدها سترون كيف ينتهي هذا الفكر الصفوي العلقمي ويدفن كما دفن عاد وثمود.