إذا أردت أن تعرف مدى تحضر أي شعب ومدى حريته وثقافته ومدى قوة المجتمع المدني، عليك أن تبحث عن صحافة هذا البلد، إذا وجدت أن بهذا المجتمع حرية ونقداً وصراحة ومحاكاة لهموم الناس، فإنك ستحترم هذا البلد، وستقول في نفسك: «واضح أن بالبلد حرية صحافة ونقداً وتقبلاً للرأي الآخر، وهذا يعكس حضارة هذا البلد وهذا الشعب، ومدى رقي حكومته وقيادته».
مع سرعة انتقال الخبر بشكل لا يتخيله العقل عبر وسائل الاتصال الحديثة، أثر ذلك على شغف الناس بالصحافة (خبرياً)، وأصبحت الصحافة وكأنها تنشر أخباراً قديمة. إذا ما افترضنا أن القارئ قد قرأ الخبر، وشاهد الفيديو الخاص به من خلال هاتفه النقال، وبالتالي لم يعد لديه فضول الاطلاع على الصحافة من أجل الحصول على الخبر.
لنكن واقعيين؛ الصحافة اليوم أصبحت صحافة مقالات وتحليلات وأعمدة أكثر منها صحافة خبر، القارئ أصبح يقتني هذه الصحيفة لأن بها أكثر من كاتب يحب أن يقرأ له. وأصبح يدخل موقع الصحيفة الفلانية لذات السبب، وليس للإطلاع على الخبر، فقد بهت شغف حب الحصول على الخبر من الصحافة مع هذه التطورات الإلكترونية والرقمية.
حتى الاشتراك في الصحف لم يعد من أجل الخبر بقدر ما هو من أجل أن يطلع القارئ على مقالات تروق له وتحوز إعجابه، فأصبح الاشتراك بالصحيفة في غالبيته من أجل كتاب الرأي.
في واقعنا الصحافي المحلي، نحمد الله أن لدينا مساحة حرية نسعد بها ونفخر بها، ولم يكن لنا أن نحصل على هذه الحرية، لولا فضل الله علينا سبحانه، ومن ثم للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه. فقد زادت مساحة الحرية أضعافاً في عهده، وصرنا نكتب ولا نخشى إلا مقص إدارة التحرير وقانون الصحافة..!
فليس بالبحرين رقابة مسبقة على الصحافة، وأذكر أني خلال أول خطوات مشواري مع الصحافة، وكان ذلك في صحيفة أخبار الخليج العريقة، وأثناء الغزو العراقي للكويت، أذكر أن الوزير المرحوم طارق المؤيد وبسبب وضع المنطقة الحساس أنذاك، قد فرض على الصحافة رقابة مسبقة، فقد كان يأتي إلى الصحيفة (...) حتى يراقب الأعمدة والأخبار، وكان في وقتها يبحث عن أعمدة كتاب بعينهم، مثل عمود قوس قزح للكاتب الكبير حافظ الشيخ (أحد أفضل من كتب العمود الصحافي على مستوى الخليج العربي، بينما الساحة اليوم تفتقد قلمه الذي لا يعوض بأحد أبداً)، ويبحث عن مقالات الكاتب الكبير والقدير عقيل سوار، والكاتب القدير السيد زهرة وآخرين. فقد كانت أخبار الخليج في وقتها (وما زالت) تزخر بكوكبة من خيرة كتاب البحرين، وتأتي على رأس القائمة الكاتبة الفاضلة طفلة الخليفة صاحبة الأخلاق الرفيعة.
ثم بعد أن يتم الرقيب مهمته يخرج من الصحيفة، وما أن يمضي وقت بسيط إلا ويعود، فيقول: «ليش ما راويتوني كاريكاتير المحرقي.. خاشينه عني؟» (وهو الفنان الكبير والوطني المخلص صاحب الريشة الذهبية عبدالله المحرقي)، يقول الرقيب: «وين الكاركاتير هذا بروحه بلوة» (وكان يقصد موضوع الرسم).. وفي أكثر من مرة كان يطلب تغيير الكاركاتير بعد اتصال يجريه فيه الكثير من (الوشوشة). كما كانت بعض الأعمدة تحجب أيضاً بعد اتصال يجريه، وبعد أن يرسلها بالفاكس إلى الوزير على ما يبدو..!
وأذكر ذات مرة أني سمعت الرقيب، وهو موظف في وزارة الإعلام حينها، يسأل عن بعض الصحافيين فيقول: «فلان شيوعي.. من وين متخرج؟»، فتأتي في مخيلتي مشاهد لعادل إمام وهو يقول: «أنت شيوعي ياله»؟
كان يتوجس منهم، ظناً منه أنهم سيؤيدون الغزو العراقي ضد الكويت.
وكان عدد من صحافيي وكتاب أخبار الخليج في ذلك الحين من خريجي الاتحاد السوفييتي أو من خريجي العراق، وكانوا يحملون ذلك الفكر الشيوعي فعلاً.
ذاك وقت عصيب وظرف خاص قد مضى وولى، وللأمانة حتى بعد انتهاء حرب تحرير الكويت لم أشاهد رقيباً يجول بالصحيفة حتى قبل تدشين المشروع الإصلاحي بسنوات.
أخذت القارئ إلى حقبة الصحافة في التسعينيات، ليس لشيء سوى أن استعراض التحول الكبير الذي نشهده اليوم في حرية الرأي والتعبير، هذا التحول الذي ربما استغله البعض لمآربه وأهواء نفسه، واستغل محبة وتقدير جلالة الملك حفظه الله للصحافة حين وعد بأن لا يسجن صحافي على خلفية رأيه السياسي.
وأحسب أن هناك فرقاً بين الرأي السياسي وبين التعدي على الناس ومكونات المجتمع، أو نشر أخبار كاذبه وملفقة تضرب الدولة، فهذا ليس رأياً سياسياً؛ بل يصنف تصنيفاً آخر يُحاسب عليه القانون.
لم أكن أود التطرق لموضوع الصحافة على هذا النحو لولا أن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان -حفظه الله ورعاه- قد خص الكتاب الوطنيين بكلمات جميلة وبتقدير رائع كما هي عادة سموه، حين أكد على نقطة هامة جدا (وهي مبعث فخر لدينا) حين قال: «الصحافيون والكتاب جزء أصيل في رسم السياسة الحكومية».
وهذا تقدير جميل من الرجل الحكيم الذي كثيراً ما قدر الصحافة، وكثيراً ما خصها بالمحبة والاحترام، وهو رئيس الحكومة، ولديه من الخبرة الكبيرة ما تكفي لأن يقرر رأيه في الشأن المحلي، لكنه يستمع ويقرأ ويطلع، ولا يستأثر برأيه رغم كل هذه الخبرة المتراكمة، إلا أن ذلك من تواضع هذا الرجل وحبه سماع الآخرين، فقد يسمع رأياً يصب في المصلحة العامة ويأخذ به مباشرة كما يفعل دائماً، ولا يفعل ذلك إلا الكبار.
منذ أزمة البحرين وقبلها، وهذا الرجل يسمعنا كلمات التقدير والمحبة حين نصافحه، فقبل أن نثني نحن على جهوده وعمله يسبقنا هو ويثني علينا، ويقول لنا كلمات الشكر، هذا التواضع الكبير إنما هو من خصال وأخلاق وقيم خليفة بن سلمان.
لم يلبث يوماً إلا ويحض الوزراء الكرام على متابعة الصحافة والتفاعل معها والرد على ما يطرح وتوضيح الأمور للناس، والأخذ بآراء الصحافة إن كانت تصب في المصلحة العامة، هكذا يقول دائماً.
الكاتب منا لا يستطيع أن يكتب بحرية إذا ما شعر وهو يكتب أن أحداً خلفه يطل في شاشة جهازه، ويترقب كل حرف يكتبه، سوف يشعر أن هناك من يلاحقه، غير أن هذا الأمر -ولله الحمد- لا يحدث بالبحرين، رغم أن هناك من يقوم بالوشاية تلو الأخرى ليقولوا لقادة البلد إن فلاناً أو فلانة من الكتاب قد تجاوزوا الحدود، ونحمد الله أن الوشاة يعودون خائبين، لكنهم لا يتعبون. فهم يتبعون المثل المصري الذي يقول: (الزن على الودان أمر من السحر)، ليس لشيء، سوى أن قادة البلد لديهم حكمة وفراسة العرب، ويعرفون منطلقات بعض الأشخاص، ويعرفون الغث من السمين، ويعرفون الكلمة الصادقة من الكلمة الخبيثة المريضة ولله الحمد.
لذلك نقول اليوم شكراً لجلالة الملك حمد بن عيسى على مساحات الحرية، وشكراً يا سمو الرئيس خليفة بن سلمان على سعة الصدر وعلى قولك «إن الصحافة جزء أصيل في رسم سياسة الحكومة»، فهذا شرف كبير يتقلده الوسط الصحافي، وشكراً لسمو ولي العهد سلمان بن حمد حفظه الله ورعاه على تقبل الرأي، وجعل صحافة البحرين صحافة حرة ونزيهة وتعبر عن هموم الناس بحرية، صحافة لا يحكمها إلا شرف المهنة والقانون.
** 400 مليون دينار فائض التعطل..!
الأخ المحترم محمد الأنصاري وكيل وزارة العمل قال أمس إن فائض برنامج «التأمين ضد التعطل بلغ 400 مليون دينار».
لاحظوا (دينار) وليس (دولار)، إذا كان كذلك، ولديكم فائض بهذا المبلغ، إما تعطونه لوزارة المالية حتى لا تقترض وتحمل الدولة أعباء أرباح القروض وإما أن نسدد به القروض..!
400 مليون فائض؟ «يعني نخلي وزارة المالية تقترض من عندكم أفضل»!
نقول إلى إخوننا في مجلس النواب، صح النوم شوي، فتحوا معنا، اقرؤوا الأخبار بالصحافة حتى تعرفوا كيف تتكلمون مع المسؤولين.
هذا يعني أن هناك وفراً مالياً جيداً في أماكن كثيرة بالدولة، غير أن الأمور تحتاج إلى إدارة هذه الأموال أو تدويرها، هذا برغم أن برنامج التعطل نفسه يحتاج إلى رقابة حول ذهاب المعونات لمن يستحق بدل التعطل فعلاً، أو (ربما) هناك من يأخذ بدل التعطل وقد مضى على أخذ البدل سنوات، نقول ربما..!!
هذا ناهيك عن ملايين برنامج التدريب في وزارة العمل، لا ندري أين تذهب ومن يديرها، وإلى متى تبقى هكذا تتضخم دون استفادة الدولة منها، أو استفادة المتدربين منها، برغم أن التدريب أيضاً مناط بـ (تمكين).. «أقولك إن البلد فيها شرباكة» وفيها ملايين ولكن إما في الأماكن الخطأ أو إنها مجمدة وإما يديرها أشخاص (....)..!!
بعض المسؤولين يذهبون إلى مجلس النواب ويقولون (ما في سيولة) وأنا بحسن نية كنت أحسبهم يتحدثون عن سيولة الدم، وضرورة أكل الأسبرين بعد سن الأربعين..!