خلال الأيام الماضية اطلعت على تقرير من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حول جهود وزارة الاقتصاد في ضبط ومراقبة الأسعار، خاصة بعد تحرير أسعار النفط، فوجدت أن أحد المسؤولين بالوزارة قد صرح أن الوزارة قامت بأكثر من 6000 زيارة تفتيشية على الأسواق في العام الواحد.
الرقم يظهر الحرص من قبل الجهات الرسمية على ضبط ومراقبة الأسعار حتى لا يتلاعب بها بعض التجار، وحتى تصل السلع إلى المستهلك وهو المواطن أولاً، قبل غيره بالسعر المحدد الذي يضمن هامش ربح معقول للتاجر، ويضمن أيضاً عدم المغالاة والمبالغة في سعر السلعة والتلاعب بها وجعل المواطن يدفع هذا الفرق في التلاعب.
في الإمارات أيضاً أذكر أني قرأت تقريراً اقتصادياً في العام 2014 يشرح كيف قامت الإمارات بتثبيت أسعار 3 آلاف سلعة بالسوق حتى لا يتم التلاعب بالسعر، وحتى تصل السلعة بكلفتها الواقعية إلى المواطن دون مبالغة، فإذا ترك الباب مفتوحاً لبعض التجار، أو تجار التجزئة فإن هذا الأمر يعني أن كلفة المعيشة على المواطن ستزيد، ويصبح هناك شعور عام بأن الأسعار تزيد بينما القيمة الحقيقية للراتب تضعف وتهبط.
بمعنى أنه في حال عدم ضبط أسعار السوق (والحديث هنا عن البحرين)، في الوقت الذي سيسدد الفارق هو المواطن، رفع الدعم عن التاجر في الخدمات، النفط الكورسين، الديزل، والكهرباء والماء، فهذا يعني أن الكلفة ستزيد على التاجر، وبالتالي سيقوم هو بدوره بأخذ هذا الفارق من المواطن، بمعنى أن الأسعار لن تبقى كما هي الآن.
غير أن السؤال هنا؛ هل ارتفاع الأسعار سيكون واقعياً، بشكل معقول ومقبول، أم أن الأمر سيترك للتاجر يضع سعره على السلعة والمواطن هو الذي يسدد، خاصة أن هناك سلعاً أساسية وضرورية لا يمكن الاستغناء عنها، أو مقاطعتها، كما إن البدائل أحياناً تكون ضعيفة.
التصورات التي تقول إن رفع دعم الخدمات عن التاجر، وإبقاء الدعم للمواطن لن يؤثر على الأسعار هي تصورات غير واقعية وربما خاطئة، فكما أسلفت فإن أي زيادة في كلفة السلعة سيضيفها التاجر على السلعة وبالتالي على المواطن.
في هذا الموضوع تابعت توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان -حفظه الله ورعاه- بالتخفيف عن المواطنين وتسيير أمورهم المعيشية، وتابعت أيضاً اجتماع رئيس ديوان سمو رئيس الوزراء الشيخ حسام بن عيسى بالوزراء المعنيين، وحثهم على التنسيق مع غرفة الصناعة من جهة، وإدارة حماية المستهلك بوزارة الصناعة من جهة أخرى، وهذه جهود طيبة بلا شك، وتصب في استباق الأمور حتى لا يحدث إرباك في السوق.
هذه الاجتماعات التي تسبق موضوع رفع الدعم عن بعض السلع ومنا اللحوم (مثلاً) تصب في الاتجاه الصحيح، غير أني أجد أنه من الضروري أن نأخذ بتجارب الأشقاء في الإمارات في موضوع ضبط الأسعار مع إقرار رفع الدعم، وما هي الخطوات التي اتخذت، وكيف يمكن مراقبة الأسعار، خاصة أن لدى الإمارات تجربة مراقبة الأسعار إلكترونياً.
هناك نقطة هامة لا يجب إغفالها في موضوع مراقبة الأسعار، وضبط السوق، وهي أن قيمة الراتب الحقيقية في يد المواطن ستهبط إذا ما ارتفعت أسعار السلع، وبالتالي فإن هذا سينعكس على الوضع المعيشي للناس، وسيؤثر عليهم دون شك.
ليس هذا فحسب، فحين يكون هناك امتعاض شعبي من ارتفاع أسعار السلع وتأثيرها على جيب المواطن، فإن الخشية أن يأتي من في قلبه مرض، ويستغل هذا الأمر (الشعبي) حتى يوغل الصدور ضد الدولة، ويقوم بحملة عليها، وهنا تكمن الخطورة، ومن أجل ذلك ندعو إلى إعادة النظر وحساب الأمور بشكل دقيق.
الناس أصبحت لا تتحدث عن زيادة في الراتب الآن، رغم أنهم يريدون ذلك، إلا أن لسان حالهم يقول (يالله الستر، على الأقل لا ترتفع الأسعار)!
على الجانب الآخر حدث بالأمس ما يشبه الخلاف النيابي بين أعضاء مجلس النواب في اللجنة المصغرة لإعادة توجيه الدعم، وبين النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وهذا ما لم يكن بالحسبان، بينما نحن في وقت نحتاج فيه إلى أن نرى جهود موحدة من قبل المجلس المنتخب نحو تخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين، وليس إلى خلافات ومناكفات، بينما لا يحدث شيء على الأرض.
موضوع تثبيت أسعار السلع كما حدث في الإمارات أحسبه جيداً، غير أن كل هذه الأمور تفتح باباً وهو مدى قدرة وزارة الصناعة على مراقبة الأسعار وطاقمها الوظيفي المحدود، ولا أعلم هل صحح هذا الأمر، أم لا..؟
بصريح العبارة؛ من يرى أن رفع الدعم عن التاجر لن يؤثر على ارتفاع الأسعار هو لا يرى الواقع، الأسعار سترتفع لا محالة، والذي سيسدد الكلفة من دون شك هو المواطن، التاجر لن يسدد الكلفة (وأنتم تعرفون ذلك) اجعلوا هذا الأمر نصب عينكم، كما إننا لا نتمنى أن تحدث بلبلة بسبب ارتفاع الأسعار، ويأتي من يأتي ليستغل هذا الموضوع لتأليب الناس ضد الدولة..!