هل الدعوة إلى إسقاط النظام حرية رأي؟ هل الدعوة إلى تغيير رئيس الوزراء وتعيين أحد الانقلابيين مكانه عدالة سماوية؟ هل نشر الفوضى والتحريض على اغتصاب الحكم هدي نبوي؟ هل تحدي الدولة وقوانينها هو حرية شخصية وديمقراطية ومن الواجبات الدينية؟ هل من حق جماعة من الجماعات التي تقود الفوضى في البلاد منذ فبراير 2011 دعوة المجتمع الدولي للتدخل في البحرين؟ هل من حق الكتاب والصحافيين مبارزة الدولة والحط من قدرها وتصغير شأنها؟ هل للكاتب الحق بأن يتطاول على حكام البلاد ويسيء إلى رموزها ويتعدى على مسؤوليها خدمة لأهداف أجنبية طامعة في البلاد؟
بالله عليكم أفيدونا وأفهمونا؛ متى صار الباطل حقاً يدافع عنه؟ ومتى صار الحق متهماً يجب حبسه وكتمه ومصادرة رأيه؟ أليس ما يحصل الآن هو هذا؛ وذلك عندما تترك الساحة ليصول ويجول فيها الباطل بخطبائه وصحافته وكتابه، أم أن النيل من الدولة وتعريض أمنها واستقرارها للخطر أصبح من الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية وسمح بها المجتمع الدولي؟
فهذا المجتمع الدولي الذي يدعو الدول الإسلامية لمراجعة مناهجها وشطب سور من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة بدعوى محاربة التطرف، وها هو اليوم تغيير المناهج التعليمية في العراق لصالح الزمرة الحاكمة والأمريكان لتحقيق أهدافهم الاحتلالية، فالصحافة هناك لا تمثل إلا وجهة نظر الحكومة العراقية والإيرانية، ولذلك كثفت الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية جهودهما لتغيير النظم التعليمية والمناهج وإعادة توجيه التعليم في العراق تحت اسم «مستقبل العراق»، ولم يقتصر الأمر عند ذلك، بل وصل التغيير بمناهج التاريخ والجغرافيا وكثير من المقررات بإجراء تعديلات كبيرة تؤسس لمرحلة ثقافية هدفها السلام مع إسرائيل، كما تم تغيير المناهج في فلسطين والكثير من الدول العربية، وذلك كله لمصالح الدول الاستعمارية الصليبية، وذلك لتسهل السيطرة على الشعوب من خلال تغيير ثقافتهم.
فأي حرية تعبير وكلمة بعد هذا الاستبداد الفكري من المجتمع الدولي الذي يفرض سيطرته على الشعوب ويجبر حكوماتهم على تغيير مناهجها وتاريخها وجغرافيتها؟ ثم يطلع علينا هذا المجتمع الدولي ينادي بحرية تعبير الشعوب ودعوتهم للخروج على حكامهم تحت مسميات الديمقراطية والعدالة، وها هو نتاج هذا الدعم والضغط الدولي، والذي لولاه لما نطق لسان في أي دولة خليجية لطعن أنظمتها، فجعلت الدولة الاستعمارية الصليبية من الإعلام أداة لتغيير الأنظمة الحاكمة، حيث اعتمدت على ما ينشر في هذه الصحف وما يصلها من تقارير من مؤسسات المجموعات الانقلابية لتبني عليها قراراتها، وذلك كما بنت عليها قرار اجتياح العراق من خلال تقارير كاذبة بشأن وجود أسلحة دمار شامل، كما اعتمدت على القنوات الفضائية التي روجت للمعارضة الصفوية من برامج ومقابلات، حتى استطاعت أمريكا ومن خلال هذا الإعلام الكاذب أن تسلم عملاءها الحكم في دولة العراق.
ثم هل نحتاج نحن المسلمون إلى من يعلمنا حق الكلمة والعدالة أو يعطينا دروساً في حرية التعبير والشورى، ولدينا من المنهج النبوي ما يكفي، أم أصبح أولئك الحاقدون على الدولة أساتذة في العدالة؟ نعم لقد ضمن الإسلام حرية إبداء الرأي ولكن في الحق وما يخدم مصالح بلاد المسلمين، وذلك عندما يكون للكلمة وزن إلى درجة أن يكب الله صاحبها في النار على وجهه، أما الاستخفاف بوزن الكلمات وترك مقاييسها ومعاييرها حسب أهواء أعداء الإسلام وأعداء الدولة، فهذا لم يصح لا عن منهج أي من الرسل، ولا عن منهج نبوي، ولم يثبت في كتاب الله بأن يدعو المسلم بالشر، بل بين إثم قول الزور والبهتان حتى لم يقبل من صاحبه شهادة، كما بين صور المنافقين التي تظهر صفاتهم على ألسنتهم التي تفضحهم وبين مكانهم في الدرك الأسفل من النار.
المشاركة بالرأي والأمر بالمعروف واجب المسلم، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة»، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقال الإمام النووي في شرحه «وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، ونهيهم عن مخالفته، وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين»، وأما استغلال حرية الرأي بإلباس الحق بالباطل وإخفاء الحقائق لغرض الضرر بالمسلمين وببلادهم، فهذا يدخل في باب الزور والإفك والسعي في الفساد في الأرض الذي ينفذ فيه حكم الله.
فحرية الرأي والديمقراطية لا يجب أن تستغلها الجماعات التي تسعى لقلب الحكم لتحقيق مآرب، ليست سيئة فقط، بل خطيرة، مآرب تسعى إلى تقويض الدولة ودثرها في نظر شعبها وتقزيمها أمام المجتمع الدولي. وها نحن نرى كيف يدافع ويساند هذا المجتمع الدولي الجماعات الإرهابية في البحرين وكل ما يتعلق بهم من صحافة وغيرها، وذلك عندما صنع هذا الإعلام المضلل هيبة ومكانة لقادة المؤامرة الانقلابية وجعل بعضهم فوق الدولة، والتي أصبح عليها أن تحسب حساب هذه الجماعات الانقلابية وتفتح المجال لهم من جديد وبصلاحية أكبر، في الوقت الذي نرى بعض الدول، ومنها إيران، توقف صدور صحيفة «9 دي» وتحذر مؤسستين إعلاميتين لمجرد انتقادهما الاتفاق النووي، وقد أحال مجلس الإشراف على الصحافة الإيرانية القضية إلى القضاء، كما أصدر تحذيراً لصحيفة كيهان، ليس لأنهم ألفوا قصصاً وروايات كاذبة على الدولة، أو نشروا تقارير مسيئة عنها، أو اتهموا الدولة بالتستر على مجموعات إرهابية، أو طالبوا بإسقاط حكومتها؛ بل فقط لأنهم كانوا يودون أن تكون دولتهم أكثر صلابة في التفاوض النووي ومعتقدين أنها قدمت تنازلاً أكثر من اللازم.