قد لا تكون تفاصيل الإنجاز الاقتصادي لافتتاح قناة السويس الجديدة واضحة عند غالبية الشعوب العربية التي ابتهجت بهذا الإنجاز المصري، الأكثر حضوراً في وعيهم ووجدانهم كان الإنجاز السياسي والمعنوي الذي بعث الأمل في إعادة نهوض أمة تتردى بين الأخطار والانهيارات.
أنقذت العناية الإلهية مصر من المؤامرة الكبرى التي نصبت للعرب تحت عنوان «الربيع العربي»، وجود جيش مصري متماسك يحظى بثقة تاريخية من قبل الشعب كان ضامناً لصمود الدولة ولردع أي عدوان خارجي أو تحرك من أي جماعات داخلية. والوحدة الوطنية المصرية التي رفضت إقحام أي تقسيم أو تصنيف يطال الشعب المصري في المشهد السياسي منعت انجرار الشعب إلى أي مواجهات كبيرة أو اقتتال داخلي.
كما أن كثافة وسائل الإعلام المصرية، على الرغم من التحفظات الكبيرة على الأداء الإعلامي لأغلبها، ساهمت في طرح الصور المتعددة للخبر والقراءات المختلفة له، ولقد أدرك المصريون باكراً أن بلدهم يتربص به الأعداء وعملاؤهم فعرفوا كيف يفرزون أصوات الفوضى وتمكنوا من الانحياز للخيار الذي يكفيهم شر التقسيم وشر الحرب الأهلية، وإن لم يكن الخيار النموذجي في التو واللحظة.
والعرب يشاهدون احتفالات المصريين بافتتاح المجرى الجديد لقناة السويس تطوف في مخيلاتهم أفكار كثيرة ومشاعر عديدة، حفر مجرى مائي بهذه الضخامة في عام واحد فقط يعد إنجازاً إنسانياً تاريخياً كان للجيش المصري اليد الطولى فيه من حيث التخطيط والتنفيذ، إنه إنجاز حكومي اقتصادي عسكري يعيد الثقة بالدولة المصرية، من حيث هي مؤسسات وآليات دستورية وإجراءات قانونية، ويعيد الاعتبار للجيش المصري الذي استمات أعداء الجيوش العربية في تحريض المصريين وغيرهم من العرب ضده.
والعرب يشاهدون احتفالات افتتاح قناة السويس الجديدة يرون «أبهة الدولة» في غير بذخ مالي للحاكم وحاشيته، يرون الأساطيل البحرية والطائرات الحربية والمدنية والمدرعات العسكرية وآليات الحفر والنقل و... ويرون الأطقم الفنية في كامل دقتها وتنظيمها، يرون الإعداد المبهر للاحتفال وحالة الأمن المفروضة في بلد خرجت ملايينه الكثيرة إلى الساحات والشوارع تعبر عن فرحتها وتقيم احتفالاتها، يرون كيف يختم الحفل الصباحي عسكري المظهر بحفل مسائي فني ثقافي المظهر في الأوبرا. فالعسكر ليسوا أعداء الثقافة والعسكر ليسوا معطلين للسياسة، كما يزعم من يريد أن يعيد دولنا العربية إلى زمن العصابات وقطاع الطرق.
والعرب يشاهدون احتفالات مصر بافتتاح القناة؛ فإنهم يدركون التراجع الاقتصادي والسياسي الذي تعرضت له مصر في السنوات الأخيرة بسبب محاولات جرها إلى مخطط الفوضى، ولكنهم أيضاً يدركون أن عراقة الدولة المصرية، أول دولة عرفها التاريخ، وتراكم الخبرة في مؤسسات الدولة وعدم تعرضها لانهيارات أو انقطاعات تاريخية وتطويرها المستمر وضخها الدائم بالخبرات والكفاءات الوطنية جعلها عصية على التفكيك الذي كان قاب قوسين أو أدنى من بواباتها، تمنى العرب وهم يشاهدون «أبهة الدولة» في الاحتفالات أن تكون كل دولهم بهذه القوة والعزة والتماسك والالتفات الشعبي، وأن تكون في صمودها ووعيها وحكمة ساستها وشعبها حين تطوف غربان الفتن في سماواتهم، تمنى العرب وهم يشاهدون «أبهة الدولة المصرية» أن تكون كافة دولهم قبلة للزعامات العالمية السياسية والاقتصادية والثقافية ومسرحاً يحتشدون فيه لمشاركة العرب إنجازاتهم المتلاحقة.
ومن يعي حجم المؤامرة المضروبة على الوطن العربي يدرك جيداً أن إنجازاً اقتصادياً وسياسياً ضخماً كافتتاح المجرى الجديد لقناة السويس لن يمر دون أن تجتمع شياطين المؤامرة للتشاور والمناقشة والتخطيط لكيفية إجهاضه وكيفية العمل على اختراق التماسك المصري وتكرار التجربة العراقية والسورية واللبيبة والسودانية في مصر.
حمى الله مصر وسائر بلداننا العربية وأعاد الأمن والسلام لها، وجعل الله مصر سنداً وذخراً للعرب، كما كانت، يأوي إليها العرب لفك اشتباكاتهم وحل خلافاتهم.