ندخل أقسى التجارب ولكننا لا نتعلم، نقرأ التاريخ ولا نتعظ، نسافر في العالم ولا نستفيد من الوجوه والأحداث وتقاليد الأمم والشعوب. كل ذلك بسبب الغياب التام عن قانون الشكر والامتنان، وقانون العطاء والأخذ، وعن قانون العطاء الذي يمثل قانون التبادل الإلهي أو الكوني أو الطبيعي.
وقفت أمام إحدى القصص المتداولة عن النبي، الذي يرى ما لا يراه الآخرون من الممارسة الإيمانية التي إن قام بها الإنسان المؤمن لاستطاع أن يحقق ما يمكن أن نطلق عليه المعجزة. وأمامي الآن قصة أبو الدحداح والنخلة، والتي أعتبرها واحدة من الحكايات الواجب علينا أن نضعها أمامنا في خطوة نمشيها في حياتنا المحدودة. تقول الحكاية..
كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يجلس وسط أصحابه عندما دخل شاب يتيم إلى الرسول يشكو إليه، قال الشاب «يا رسول الله، كنت أقوم بعمل سور حول بستاني فقطع طريق البناء نخلة هي لجاري، طلبت منه أن يتركها لي لكي يستقيم السور، فرفض، طلبت منه أن يبيعني إياها فرفض».
فطلب الرسول أن يأتوه بالجار، أتي الجار إلى الرسول وقص عليه الرسول شكوى الشاب اليتيم، فصدق الرجل على كلام الرسول، فسأله الرسول أن يترك له النخلة أو يبيعها له فرفض الرجل، فأعاد الرسول قوله «بع له النخلة ولك نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام»، فذهل أصحاب رسول الله من العرض المغري جداً، فمن يدخل النار وله نخلة كهذه في الجنة، وما الذي تساويه نخلة في الدنيا مقابل نخلة في الجنة، لكن الرجل رفض مرة أخرى طمعاً في متاع الدنيا.
فتدخل أحد أصحاب الرسول ويدعى أبو الدحداح، فقال للرسول الكريم: «أئن اشتريت تلك النخلة وتركتها للشاب هل لي نخلة في الجنة؟».
فأجاب الرسول: «نعم».
فقال أبو الدحداح للرجل: «أتعرف بستاني يا هذا؟»
فقال الرجل: «نعم، فمن في المدينة لا يعرف بستان أبي الدحداح ذا الستمائة نخلة والقصر المنيف والبئر العذب والسور الشاهق حوله، فكل تجار المدينة يطمعون في تمر أبي الدحداح من شدة جودته».
فقال أبو الدحداح: «بعني نخلتك مقابل بستاني وقصري وبئري وحائطي»، فنظر الرجل إلى الرسول غير مصدق ما يسمعه، أيعقل أن يقايض ستمائة نخلة من نخيل أبي الدحداح مقابل نخلة واحدة، فيالها من صفقه ناجحة بكل المقاييس، فوافق الرجل وأشهد الرسول الكريم والصحابة على البيع وتمت البيعة.
فنظر أبو الدحداح إلى رسول الله سعيداً سائلاً: «ألي نخلة في الجنة يا رسول الله؟».
فقال الرسول: «لا»، فبهت أبا الدحداح من رد رسول الله، فاستكمل الرسول قائلاً ما معناه «الله عرض نخلة مقابل نخلة في الجنة وأنت زايدت على كرم الله ببستانك كله، ورد الله على كرمك وهو الكريم ذو الجود بأن جعل لك في الجنة بساتين من نخيل أعجز على عدها من كثرتها»، وقال الرسول الكريم «كم من مداح إلى أبي الدحداح».
والمداح هنا هي النخيل المثقلة من كثرة التمر عليها.
وظل الرسول يكرر جملته أكثر من مرة لدرجة أن الصحابة تعجبوا من كثرة النخيل التي يصفها الرسول لأبي الدحداح، وتمنى كل منهم لو كان أبو الدحداح.
وعندما عاد الرجل إلى امرأته، دعاها إلى خارج المنزل وقال لها: «لقد بعت البستان والقصر والبئر والحائط»، فتهللت الزوجة من الخبر فهي تعرف خبرة زوجها في التجارة وشطارته، وسألت عن الثمن فقال لها: «لقد بعتها بنخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائه عام»، فردت عليه متهللة: «ربح البيع أبا الدحداح، ربح البيع».
هل لنا أن ننظر بقلب مفتوح ورؤية إيمانية صادقة أي كون هذا الذي تدعونا إليه حكاية أبي الدحداح، وأي حياة ننتظر، باع البستان الكبير من أجل نخلة أهداها للشاب اليتيم، في نفس الوقت الذي هللت فيه زوجة هذا الصحابي، حينما قالت «ربح البيع أبا الدحداح، ربح البيع».
هل لنا أن نربح شيئاً يسراً مما ربحه أبو الدحداح، بأعمالنا الصالحة.. أحلم بذلك.