حزب الدعوة تأسس في العراق في الخمسينات وهو الآن يحكم العراق، وتأسس فرعه في البحرين ومرت عليه محطات ومراحل انتهى به الأمر إلى العمل السياسي داخل مملكة البحرين تحت مظلة الدستور والقانون، وفي مراوحته وتذبذبه بين مشروع دولته ومشروع الدولة ارتكب أبشع جرائمه وهي عزل الشيعة عن الدولة.
حزب الدعوة له مؤسساته المرخصة السياسية والإعلامية وأكبر (نجاحاته) وأهم (إنجازاته) منذ عشرين عاماً إلى الآن تتلخص في عزل «الشيعة» وتسوير محيطهم الفكري والجغرافي عن شركائهم في الوطن في جريمة لن تغتفر ولن ينساها التاريخ البحريني المعاصر له.
جريمة طائفية بامتياز قميئة قامت بها مؤسسات الحزب الدينية والسياسية والإعلامية حتى تلك التي ترتدي قياداتها ربطات العنق والبدلات والتي تضع الجل في شعرها وتتحدث الإنجليزية بطلاقة، إلا أن أنها ساهمت بهذه المراوحة بين المشروعين وعدم حسمها في عزلة شريحة كبيرة من أبناء الشيعة وجرهم معها في كل صداماتها مع مشروع الدولة، فأحدثت هذه القسمة الطائفية وأدت دورها ضمن مشروعها الطائفي بجدارة كما فعل الحزب في بقية الدول العربية.
المؤسسة الدينية قسمت البحرين إلى معسكرين يزيدي وحسيني والمؤسسة الدينية رفضت منذ تأسيسها ضم أي من السنة أو الشيعة غير الموالين للمرجعيات الدينية الأجنبية، والمؤسسة الإعلامية ترشح طائفية بدءاً من تركيبتها الإدارية وصولاً إلى سياستها الإعلامية والمسخرة لخدمة مشروع الحزب لا مشروع الدولة.
حزب طائفي بامتياز قاد العراق ولبنان واليمن وسوريا -بعد تدخله- فيها إلى الخراب والحروب والفتن، وحاول ومازال يحاول أن يقود البحرين إلى ذات المصير، حزب لا يقبل الشراكة، ممارساته تكشف حجم أزمته بتناقضها مع خطابه، فلا يستعرض لنا أوراقه الصفراء وخطبه التي تدور حول التعايش ومبادئ التسامح والديمقراطية حتى لا نفتح له ملفات الممارسة الطائفية التي يرتع فيها بتناقض لا مثيل له لا يتسق مع الخطاب.
عزل الحزب شرائح مجتمعية كبيرة تقع ضمن نطاق نفوذه الديني والاجتماعي عزلاً تاماً عن محيطهم وساهمت غفلة الدولة وغياب مشروعها الوطني الشامل والموازي لمشروع هذا الحزب بمزيد من هذه العزلة لم تفكر الدولة حتى ولم تعمل على وقف امتداد سرطانه الطائفي فعزلت قرى بأكملها عن محيطها هرب من هرب من سكان القرى وخرج عن القرية عله يستطيع أن يعيش حياة طبيعية وهم قلة من لديهم إمكانات البناء أو الشراء من عوائل وأعيان الشيعة.
حتى إذا ما جاء المشروع الإصلاحي ومنح للحزب تراخيص العمل السياسي استغل الحزب هذا الترخيص أبشع استغلال لخدمة مشروعه الانفصالي فأسس الجمعية وأسس الصحيفة بذات الوجوه الحزبية وعملت هذه الوجوه بلا كلل أو ملل على مزيد من العزلة وترسيخ مشروع الحزب «الحسيني اليزيدي».
مر الحزب بالعديد من الامتحانات الوطنية فشل فيها بامتياز لدرجة امتناعه عن تشكيل قائمة انتخابية واحدة من أكثر حلفائه قرباً واكتفى بدعمهم في الدوائر التي لا يستطيع حسمها لصالحه رغم أن حلفائه باعوا أنفسهم له وجعلوا من كرامتهم مداساً لهم إلا أن فتوى حرمة تمكين العلمانيين حالت دون وجود قائمة موحدة, وفشل الحزب في امتحان تكافؤ الفرص الوطنية في كل استحقاق بحريني، وغيرها من الامتحانات البحرينية التي لا حصر لها على مدى الخمسة عشر عاماً منذ الترخيص لمؤسساته.
وفي كل مرة يجر خيبات الأمل والفشل المتكرر لا للحزب وكوادره وأتباعه فحسب بل للطائفة التي اكتوت بناره مع الأسف، المحصلة النهائية عزلة لشرائح مجتمعية كبيرة عن شركائهم وعن الدولة ومؤسساتها، وهي نتيجة مؤسفة يعالجها الحزب باللطميات دوماً التي لا يجيد غيرها وباتهام الآخرين ورمي عباءة الفشل على (الكارهين الحاقدين المتكسبين... إلخ).
ماكينة إعلامية لا تملك جرأة فتح الملف الحزبي وتشريحه ونقده والبحث في أسباب فشله في الامتحانات الوطنية المتكررة، بل دأبت في كل استحقاق على الهروب والغياب.
من السهل رمي الكرة في ملعب أي طرف آخر والهروب من تحمل المسؤولية من السهل إخراج ملفات أخطاء الأطراف الأخرى وعرضها خاصة إذا كانت الأطراف الأخرى ترتكب الأخطاء أيضاً، فهناك أيضاً أطراف أخرى بودها أن تزيد القسمة وتزيد العزلة إنما الأصعب هو أن تعكس هذه المرآة وترى نفسك، وهذا ما لم ولن تفعله أي من مؤسسات الحزب لا الدينية ولا السياسية وحتماً لن تفعله الإعلامية، فنهاية هذه المحطة الجريئة تحتم تقديم قيادات هذا الحزب استقالتهم وتحمل المسؤولية بجدارة وبشجاعة ورجولة، وهي مقومات ليس هناك (ريحة) لها في تلك القيادات.
للعلم.. قطار الوحدة الوطنية الذي تسعون لركوبه الآن لن يتجاوز محطة المكاشفة هذه بين مع مؤسسات هذا الحزب وبين المجتمع البحريني، وفتح ملفاتها واحداً واحداً، مهما استعان هذا الحزب بأطراف من السلطة لتساعده على ركوب القطار أو حاول هذا الحزب القفز على هذه المحطة وتجنبها أو تحويل القاطرة إلى محطات هامشية ما أنزل الله بها من سلطان والضحك على الذقون بشكليات هامشية لا تتجاوز الخطاب والصلاة الموحدة أو غيرها من الأساليب التي لن ترضي من تلظى من نار طائفية هذا الحزب على مدى عشرين عاماً، إلا أنها كلها لن تنجح في قبول هذا الحزب من جديد في اللحمة الوطنية.
عشنا شيعة وسنة بحرينيين حراكنا الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي كان بحرينياً بامتياز مشتركاً لا انفصام فيه يشهد به تاريخ مغيب تماماً عن هذا الجيل الذي تربى على يد هذه القيادات، لا نحتاج إلى استيراد تجارب أجنبية تعلمنا معنا التعايش، حتى دخل هذا الحزب بيننا وباقي السالفة عندكم، فإما أن يعيد هذا الحزب ترتيب أوراقه ويبدأ بالمكاشفة والمصارحة معنا بما يحترم عقولنا وتتحمل قيادات هذا الحزب مسؤوليتها وإما فالقطار البحريني يتعذركم.