التحركات السعودية الأخيرة تشير بشكل واضح إلى ظهور تحالفات جديدة بعد مرحلة من الخلافات والتباينات في المواقف والمصالح. فالرياض تسعى إلى تشكيل محور جديد لمواجهة التحولات الجديدة في الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي الإيراني من خلال إنهاء الخلافات السابقة، وبدء مرحلة جديدة بعد أن صارت التحولات جذرية تمثل تهديداً استراتيجياً لدول الخليج العربية.
إقليمياً تم الانتهاء من الخلافات الخليجية - الخليجية، وصارت النظرة متوجهة إلى القوى الإقليمية في المنطقة وأهمها مصر وتركيا، فما جرى خلال الأسابيع الماضية يشير إلى أضلاع المحور الثلاثية «الرياض، القاهرة، أنقرة». واللافت أن هذه الدول الثلاث تواجه تحديات مشتركة من تنامي الإرهاب على حدودها أو انتشار الأفكار المتطرفة داخل أراضيها، والنظرة المشتركة لما يمكن أن تكون عليه إيران خلال السنوات الثلاث المقبلة من دولة متوحشة لديها ترسانة عسكرية ضخمة، ويكون وضعها أسوأ كثيراً من وضع بغداد البعثية نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات في القرن العشرين.
المحور الجديد ليس ترفاً أو علاقات شكلية، بل ضرورة استراتيجية حتمية تتطلبها الظروف، فطهران تمكنت من تشكيل محورها الجديد بتحالفها مع الغرب بعد مفاوضات عسيرة دامت عقداً من الزمن، ومادام التحالف إيرانياً - غربياً، فمن سيكون المستهدف أو المتضرر من هذا التحالف الجديد؟ بلاشك العرب ودول مجلس التعاون الخليجي هي المتضرر استراتيجياً من التحالف الإيراني - الغربي، وقد لا يكون هذا ظاهراً مرحلياً، ولكن الأمور ستكون أكثر تعقيداً وتهديداً بمرور الوقت، خاصة وأنه لا توجد ضمانات على تطوير طهران الأسلحة النووية بعد 15 عاماً طبقاً لنصوص الاتفاق النووي الإيراني.
هناك تباين بين دول مجلس التعاون الخليجي تجاه المحور الجديد، رغم المتابعة والاهتمام، ولكن فكرة محور جديد جارية الآن لا تتطلب التفكير أو الدراسة إذا كانت المخاطر المستقبلية تهديداً لوجود الكيانات الخليجية الراهنة.
وبالتالي فإن الدول الخليجية التي ترغب في التعامل بشكل رخو مع طهران ستتضرر في البداية، أما تلك التي اختارت التعامل المتشدد فإن الضرر عليها سيكون أقل لأنها وضعت كافة إمكانياتها لمواجهة سياسية وعسكرية واقتصادية محتملة مع طهران، أكثر من تلك المواجهات المفتوحة التي تتم بين وقت وآخر.
دول المجلس وصلت إلى مرحلة «اللاخيار» مع طهران، فالمواجهة مازالت في بداياتها، وهي حرب باردة قد تستغرق سنوات، وقد تستغرق عقوداً طويلة من الزمن. والاعتقاد بأن الاستمرار في العلاقات الملتهبة بين الطرفين اعتقاد خاطئ لأن المخاطر فيه أكثر بكثير من حسم العلاقات وتحديد الخيار الاستراتيجي.