لم يعد المتخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع وحدهم القادرين على ملاحظة الحالة التي وصل إليها الناس هنا، فالجميع يلاحظ بسهولة ما يعاني منه الجميع من تأثير الأحداث وتطوراتها وعدم توفر ضوء حتى الآن في نهاية النفق يوفر شيئاً من الأمل ويبشر بنهاية لهذا الذي لا نستحقه. يبدو ذلك جلياً في سلوك الناس في الشوارع والأسواق وزاد منه التفجير الإجرامي الذي حدث في سترة الأسبوع الماضي وأسفر عن استشهاد وجرح ثمانية من رجال الأمن. سلوكيات الناس إجمالاً لم تعد كما كانت؛ بل إن البعض وصل إلى حد أن يجد صعوبة في تحمل الآخرين ولا ينتبه إلى الحال التي صار فيها إلا بعد أن يتورط في ارتكاب الأخطاء في حقهم.
حرارة الجو عامل لا يمكن استبعاده هذه الأيام، وكذلك التطورات التي تشهدها المنطقة التي لا تهدأ، والتي تصل منها أخبار القتل وكل صور العنف المثيرة للأعصاب، لكن تظل تطورات الأوضاع في الداخل العامل الأساس في وصول البعض غير القليل إلى مرحلة عدم تحمل واستيعاب الآخر وممارسة سلوكيات غريبة على هذا المجتمع.
لعل الميدان الأبرز لاكتشاف هذا السالب هو الشوارع، والتي لولا رحمة الله سبحانه وتعالى ورأفته بعباده لشهدت يومياً عشرات «الهوشات» المفضية إلى العداوات. جرب أن تدخل شارعاً رئيساً من طريق فرعي قبل أن يمر من يعتقد في قرارة نفسه أنه الأحق منك في المرور وانظر كيف يتصرف معك. تأخر قليلاً عن تحريك سيارتك عند الإشارة الضوئية لحظة تحولها إلى اللون الأخضر لو كنت في مقدمة الركب، وانظر ما يفعله من هم خلفك. انظر أيضاً إلى كمية المخالفات التي يرتكبها السائقون في شوارع البحرين التي ظلت طويلاً مضرب المثل في انضباط مستخدميها و«ذرابتهم».
لو أعاد البعض فكرة الكاميرا الخفية لاكتشف حجم الفارق بين ردود أفعال من تم توريطهم في مواقف معينة في سنوات سابقة وبين ردود أفعال الناس اليوم، وإذا كان البعض يكتفي بأن تفلت أعصابه فيرفع صوته في وجه المكلف بعمل تلك المقالب أو يترك المكان وهو زعلان، فإن بعضاً آخر لا يتردد عن التعامل بيديه حتى بعد أن يعلم بأن الأمر ليس إلا مزحة هدفها الترفيه والتسلية.
ليس هذا فحسب؛ فالأمر وصل إلى حد عدم تحمل الكثيرين لآراء الآخرين التي تختلف عن آرائهم وقناعاتهم ومواقفهم وإلى عدم تحمل التغريدات وإلى اعتبار البعض ما تحتويه تغريداتهم من سب وشتم وتقليل من شأن الآخرين أمراً عادياً لا يستوجب الزعل.
تغير في السلوك يلاحظه الجميع على الجميع الذي وصل كثير منه إلى مرحلة صار يجد فيها صعوبة في تحمل الآخرين وتوفير المبررات لهم «حتى وقت قريب كان الناس في البحرين يوجدون العذر والمبرر للآخرين، فيقولون مثلاً إنهم فقدوا أعصابهم في لحظة معينة بسبب ظروف خاصة يمرون بها عائلية أو اجتماعية أو ذات علاقة بالوظيفة والعمل.. إلخ، تطبيقاً للمثل العربي «اتخذ لصاحبك العذر»»، ولهذا فإن الشعور بالتوتر هو الذي يسود ولا يقابله أي هامش لاستيعاب توتر الآخرين.
هذه هي المشكلة فكيف هو المخرج؟ سؤال مهم جوابه ليس صعباً، لكنه ليس سهلاً أيضاً، وينبغي أن يتعاون الجميع على إيجاده. يكون ذلك بتوسيع المساحة المشتركة التي يقف عليها الجميع، ويكون بتقديم الأطراف ذات العلاقة كل ما يمكن من تنازلات هي في كل الأحوال للوطن وإن استفادت منها بعض الأطراف الأخرى. إذا أردنا الخروج فعلاً من هذا المأزق لابد أن نرتقي جميعاً بفكرنا ولابد من الاقتناع بأن استمرارنا في هذا الوضع يعني اتفاقنا على الإساءة للوطن. ترى كيف سيكون الحال بعد عامين من الآن؟