قصة عربية قديمة عند البدو يرويها أحد المواطنين المخلصين تقول: كان هناك شيخ قبيلة تعب قليلاً بسبب كبر سنه، ورأى البعض أن أبناءه ليسوا بالمستوى المطلوب فعقدوا النية لأخذ «المشيخة» من عندهم ورغبوا في تجربة ذلك من خلال «جس النبض» فقام أحدهم بذبح كلبهم، والكلب عند العرب له قيمة كبيرة كونه يقوم بحراسة المنزل والممتلكات، فاتجه الأبناء إلى أبيهم لمشورته فقال لهم «اذبحوا ذباح الكلب».
فتعجبوا من رأي والدهم في أن يقتل إنسان بسبب كلب، فتجاهلوا مشورته، فعاد أحد ممن أرادوا جس النبض وسرق فرساً لأحد الضيوف الذي جاء لزيارة أبناء الشيخ، فلما خرج الضيف ولم يجد فرسه تضايق الأبناء وعادوا لأبيهم وأخبروه بما حصل، فقال لهم بهدوء «اذبحوا ذباح الكلب»، فاستغربوا من علاقة قاتل الكلب بسارق الفرس، فتجاهلوا الموضوع من باب أن والدهم يبدو أنه كبر في السن و»خرف».
وتمضي الأيام حتى نشب شجار بين ابنة جارهم وابنة هؤلاء الذين «يبيتون النية»، فقام أحدهم وصفع ابنة جيران أبناء الشيخ، وهذا التصرف كبير جداً عند العرب في أن تضرب ابنة جارهم، فرجعوا إلى والدهم فقال لهم نفس الكلمة «اذبحوا ذباح الكلب»، هنا فطن ابنه الكبير وقال لإخوته: والدي لم يكرر هذه الكلمة إلا لأن وراءها هدفاً، فاتجه وقتل قاتل الكلب، هنا تبدل الحال مرة واحدة، فمن سرق الفرس ترك الفرس وهرب ومن ضرب ابنة جيرانهم أيضاً هرب، ففهم الأبناء هنا حكمة والدهم.
القصة هذه لو أسقطت على شأن مملكة البحرين لوجدنا أنها تحاكي الواقع الأمني المرير، فمن «جس نبض الدولة» خلال فترة التسعينات بأعمال التظاهر والتخريب وحرق الآسيويين في منطقة سترة «ركزوا على منطقة الجرم» وتفجير «السلندرات» عاد بعد مسلسلات التسامح والعفو ليبدأها بالاعتصامات غير المرخصة وسد الشوارع بالإطارات المشتعلة، ثم مرحلة التكسير والتخريب ورمي الأسياخ والحجارة على رجال الشرطة، ليتطور الوضع أكثر إلى مرحلة حرق سيارات الشرطة وسلمية المولوتوف، ثم تصاعد الموضوع لمنحنى أخطر لتبدأ مرحلة سلمية القنابل المحلية الصنع في عدد من المناطق «منها نفس منطقة أحداث التسعينات سترة»، ولا ندري ماذا ننتظر بعد كل هذه المراحل مقابل عدم تفعيل قوانين الإرهاب والعقوبات، هل ننتظر أن يصل الحال إلى سلمية الكلاكنشوف والمواجهات المسلحة مثلاً؟
هكذا بدأت سلسلة الإرهاب؛ عندنا من التحرش برجال الأمن ومحاولة استفزازهم ورميهم بالحجارة إلى مرحلة قتلهم وتفجيرهم، إن لم يوضع حد لكل هذا ويتم التعامل بصرامة ويحاكم الإرهابيون محاكمات وفق قوانين مشددة وغليظة العقوبات وتطبق عليهم أحكام الإعدام فلا عجب أن نرى طرقاً أكثر بشاعة وجرماً في قتل رجال الأمن.
من دهسوا رجال الأمن بالسيارات وقتلوهم وحرقوهم بالمولوتوف وفجروهم بالقنابل المحلية الصنع خلال أزمة البحرين الأمنية السابقة لايزالون على قيد الحياة، ولم تطبق الدولة معهم عقوبات الإعدام ليكونوا عبرة للآخرين ويناولوا جزاءهم؛ فاللين مع الإرهاب لا يفيد ولن يفيد.
الإرهاب المسلح هو المرحلة الأخطر، هيبة الدولة الأمنية على المحك اليوم، فمن يمثلها أمنياً أمام أنظار العالم يقتل ويحرق ويدهس ويضرب وكأنه مجرد من الحقوق ودمه حلال، إن لم يتم التعامل بحزم فلا عزاء لنا غداً.
انظروا لدول العالم الديمقراطية التي طبقت مبدأ «اضرب واحداً يخاف عشرة»، وكيف اقتطعت جذور الإرهاب وأعدمت وجودها، انظروا لأمريكا الديمقراطية وكيف ضربت كل الخلايا الإرهابية التي استهدفت أمنها بمعتقل غونتنامو، وكيف تتعامل مع المتظاهرين دون أن تلقي بالاً لأي منظمات وجمعيات دولية، انظروا لبريطانيا وكيف تعاملت مع أحداث الشغب وجردت من حاول ضرب أمنها من كامل الحقوق والخدمات وسيطرت على الوضع تماماً في أقل من أسبوع دون التردد أو استقراء ردود أفعال منظمات حقوق الإنسان، كل دول العالم لا يهمها حتى أن يسقط متظاهر يعبر عن رأيه خلال التعامل الأمني المشدد، فمن يخالف نظام الدولة عليه أن يتحمل تبعات تصرفه فما بالك بمن يقتل ويجاهر بالإرهاب علانية؟
ومن يقرأ ما بين سطور تاريخ العمل الإرهابي الجبان مؤخراً الذي تم تنفيذه في منطقة سترة واستشهد فيه رجلا أمن، وما بين مخطط الانقلاب المسلح الذي أفشل العام الماضي وكان مزمع تنفيذه منتصف 2014 الماضي، وتحديداً ما بين أبريل وأغسطس في مملكة البحرين، سيفطن إلى نتيجة أن الأمور الأمنية في مملكة البحرين لم تعد قابلة للهدوء والتروي، وهناك ضرورة لمواجهة الواقع البحريني الذي يقول اليوم إن لغة اللين ومسلسلات التسامح والعفو وتعطيل تنفيذ قوانين الإرهاب والعقوبات لم تعد مجدية، ولابد من مواجهة فكرة أنه في الغد القريب قد يتحول الأمر إلى منحنيات أخطر بكثير وتطال هذه العمليات المواطنين الأبرياء ولحظتها ماذا سيحدث؟
إيران في حراكها الدائم لتحويل وضع مملكة البحرين إلى مرحلة المواجهة المسلحة تسعى دائماً لإشعال فتيل الحرب الطائفية وتكرار سيناريو العراق واقتباسه في البحرين، وهذا الكلام ليس وجهة نظر؛ إنما واقع موجود بالأدلة والإثباتات يستعرض دائماً أمام عمليات القبض المستمرة على الأسلحة والمتفجرات المستوردة من العراق، قادة الانقلاب المسلح زرعوا ألف خلية نائمة في مملكة البحرين تنتظر إشارة البدء ويظهر حراكها مع خطابات إيران المعادية، المخطط على مملكة البحرين كبير جداً والتهاون في الإقدام على خطوة الإعدام يعني الوصول إلى مرحلة الانفلات الأمني الخطير الذي قد لا يكون لقرار الإعدام بعدها أهمية، فالأمور لحظتها ستكون «سايبة»، اليوم البحرين أمام مخطط أمني كبير يحاك لها على مرأى ومسمع الدول جميعاً، وهناك حاجة لوجود ضغوط شعبية لتنفيذ أحكام الإعدام والتفاف خليجي يدعم هذا التوجه ولا يتردد لحظة واحدة في تنفيذه، في كل المنعطفات التاريخية الحاسمة يكون عامل التوقيت هو من يقلب التاريخ رأساً على عقب ونقطة التحول للأحداث.
إلى من يهمه الأمر نقول؛ وضع مملكة البحرين حرج أمنياً.. اذبحوا ذباح الكلب.
- إحساس عابر..
(1) من شاركوا في الصلاة المشتركة بين الطائفتين هل لديهم الجرأة اليوم لإقامة صلاة يرفع فيها دعاء موحد بحفظ رجال الأمن؟
(2) العنوان العريض ومطلب الشريحة الكبيرة من المواطنين البحرينيين والخليجيين اليوم «الإعدام لمن خالف النظام».