الدين محبة.. الدين عمل.. الدين عطاء؛ من هنا لا يحتاج الإنسان العامر قلبه بالإيمان إلى الكثير من الكلام عن الدين، والكثير من النصح للآخرين عن الخير والصدقة والوفاء ومساعدة الغير دون انتظار أي شي منهم، فالدين ممارسة عملية يومية بسيطة مثل عملية التنفس، قوتها في سريتها وبعدها عن عيون الآخرين لكي لا تجرح العيون شيئاً مما قام به من فعل طيب، كتعبير بسيط جداً عن جانبه الروحي في الأخوة الإنسانية.
قبل فترة قرأت مقالاً تحت عنوان «إنفاق مال الحج في الزكاة أفضل عند الله»، واقتطفت منه هذه القصة المعبرة خير تعبير عن أهمية ممارسة الفعل الإنساني دون ضجة، ودون أن يعرف الآخرون بما قام به، تقول الحكاية..
عندما كان الصحابي الجليل عبدالله ابن المبارك يتجه من المدينة إلى مكة للحج، وكان عبدالله بن المبارك رضي الله عنه يحج عاماً ويخرج عاماً في سبيل الله، وفي العام الذي أراد فيه الحج خرج ليلة ليودع أصحابه قبل سفره، وفي طريقه إلى حج بيت الله وجد منظراً ارتعدت له أوصاله واهتزت له أعصابه!.
وجد سيدة في الظلام تنحني على كومة أوساخ وتلتقط منها دجاجة ميتة تضعها تحت ذراعها وتنطلق في الخفاء، فنادى عليها وقال لها: ماذا تفعلين يا أمة الله؟
فقالت له: يا عبدالله؛ اترك الخلق للخالق فلله تعالى في خلقه شؤون.
فقال لها ابن المبارك: ناشدتك الله أن تخبريني بأمرك.
فقالت المرأة له: أما وقد أقسمت عليّ بالله.. فلأخبرنك، فأجابته ودموعها قبل كلماتها: أنا أرملة فقيرة وأم لأربع بنات غيب راعيهم الموت واشتدت بنا الحال ونفد مني المال وطرقت أبواب الناس فلم أجد للناس قلوباً رحيمة، فخرجت ألتمس عشاء لبناتي اللاتي أحرق لهيب الجوع أكبادهن فرزقني الله هذه الدجاجة الميتة.
ففاضت عينا ابن المبارك بالدّمع وقال للمرأة: خذي هذه الأمانة، وهي كل ماله الذي كان ينوي به الحج. وأخذتها أم اليتامى ورجعت شاكرة إلى بناتها.
عاد ابن المبارك إلى بيته، أي لم يكمل سفره للحج، وخرج الحجاج من بلده فأدوا فريضة الحج ثم عادوا، وكلهم شكر لعبدالله ابن المبارك على الخدمات التي قدمها لهم في الحج.
توجهوا إلى بيت عبدالله بن المبارك وقالوا له: رحمك الله يا ابن المبارك ما جلسنا مجلساً أثناء حجنا إلا وأعطيتنا مما أعطاك الله من العلم، ولا رأينا خيراً منك في تعبدك لربك في الحج هذا العام، فعجب ابن المبارك من قولهم فهو لم يحج هذا العام لأنه أعطى ماله للمرأة الفقيرة وعاد إلى بيته، واحتار في أمره وأمرهم، فهو لم يفارق البلد، ولكنه لا يريد أن يفصح عن سره.
وفي المنام رأى ابن المبارك رجلاً يشرق النور من وجهه يقول له: السلام عليك يا عبدالله ألست تدري من أنا؟ أنا محمد رسول الله أنا حبيبك في الدنيا وشفيعك في الآخرة جزآك الله عن أمتي خيراً، يا عبدالله بن المبارك، لقد أكرمك الله كما أكرمت أم اليتامى.. وسترك كما سترت اليتامى، إن الله -سبحانه وتعالى- خلق ملكاً على صورتك كان ينتقل مع أهل بلدتك في مناسك الحج، وإن الله تعالى كتب لكل حاج ثواب حجة وكتب لك ثواب سبعين حجة.
يقول ناقل القصة، وهو يشير إلى الواقع الذي نحياه جميعاً؛ لأن الحج معنى روحي والله موجود فى كل مكان، ومن من حجاجنا ومعتمرينا لا يرى أطفال الشوارع ومن يأكلون من الزبالة، وطوابير الخبز، وعنوسة الشباب، ومن يعيشون في بيوت متهالكة، والأطفال الذين يموتون لعجز أهاليهم عن توفير الغذاء والعلاج، ومن يموتون في مراكب الهجرة غير الشرعية هروباً من الفقر والموت، بخلاف المحتاجين من أسرته وأقاربه وجيرانه وأهل بلدته.
هل نقوم بذلك دون ادعاء؛ نعم فهذا هو الحج الحقيقي الذي يعطي لمن يقوم بسرية ما قيمته 70 حجة.