منذ أحداث التسعينات من القرن الماضي، كان هناك وسطاء.. وإن شأتم (عرابون) يقومون بأدوار مزدوجة، يوهمون كل طرف من الأطراف أنهم مع مصلحته، وأنهم يستطيعون إقناع الطرف الآخر بأمور معينة، وهذا حدث ويحدث حتى مع آخر العرابين.
والذي مارس دوراً هو وغيره خلال أحداث 2011، وكان يمارس ذلك بخبث، حتى أنه يذهب إلى الطرف الرسمي ويحاول أن يقنعه أنه يستطيع إقناع من هم على الضفة الأخرى بأمور معينة، على أن تقوم الدولة بمجموعة أمور، وفي المحصلة هو يعمل إلى مصلحة طرف أكثر من طرف آخر.
غير أن هذا العراب ذرف الدموع، وكان يمسح دموعه (وهذه ليست مبالغة، بل حدث ذلك فعلاً)، بعد أن رفض الولي الفقيه في ذلك الوقت مشروع التسوية المقترح. وقال العراب في كلمة خطيرة له: «هؤلاء أغبياء، هذه الفرصة لن تأتي إليهم مرة أخرى»، وأعتقد أنه صدق وهو الكذوب.
غير أنه في لحظة ما، قد يفقد العملاء المزدوجون ثقة الطرفين، أو يكونون ورقة تستخدم في ظرف زمني محدد، وتحترق سريعاً.
بعد ما أصدر جلالة الملك -حفظه الله ورعاه- قرار الإفراج عن نبيل رجب لدواعي صحية، خرج رجب وقال كلاماً مختلفاً عما كان يقوله في السابق، وليس هذا فحسب، بل إنه أشار إلى استعداده لتغيير خطابه ومفرداته..!
ثم قال أيضاً: «إنه طلب من الداخلية السماح له بإجراء عملية جراحية، وإنه لم يطلب من جهة أخرى الإفراج عنه»..!
في 14 يوليو وفي مقابلة مع التلفزيون العربي قال رجب: «إنه على استعداد أن يغير في بعض تكتيكاته، وأن يمارس تغييرات في خطابه، وفي استعمال بعض الكلمات، وأنه لا يمانع من تغيير طريقة العمل في حال كان ذلك سبباً في إيجاد الحلول».
وفي موقع آخر قال رجب أيضاً: «إن قرار الإفراج عنه خطوة يقدرها متمنياً أن يتبع الإفراج عنه قرار آخر يساهم في إضفاء أجواء إيجابية».
وفي لقاء آخر مع صحيفة محلية قال: «إنه يسعى إلى خلق علاقة إيجابية مع الحكومة كما المعارضة، واصفاً الإفراج عنه بالخطوة الإيجابية».
تصريحات متعددة خرجت في ذات السياق وبذات النبرة والتوجه الجديد، كان ذلك بعد العفو الملكي وبعد الخروج من السجن، كما قال في أحد التصريحات إنه ليس معارضاً سياسياً وإنما يمارس العمل الحقوقي.
كل هذه التصريحات لنبيل رجب بعد العفو، ألا تعطي مؤشراً وصورة مغايرة تماماً عن تلك التي كان يتحدث بها قبل دخوله السجن؟
كان في ذلك الوقت يطلق خطاباً تسقيطياً، وكان يطلق كلمات الدكتاتورية، حتى أنه هاجم الأسرة المالكة ذات مرة، وكانت مفرداته حادة واستفزازية وفجة، مستقوياً بالدعم الأمريكي الأوروبي.
مفرداته كانت غاية في السوء تجاه الحكم والحكومة، لكن هذا الخطاب تغير كثيراً جداً بعد خروجه بعفو ملكي، فماذا وراء ذلك؟
هو نفسه قال إنه مستعد لتغيير خطابه، واستخدام ألفاظ أخرى، ومستعد لخلق علاقة إيجابية (بين الحكومة والمعارضة)..!
فكيف يحدث ذلك؟ وهل يعني أنه سيصبح وسيطاً، وعراباً جديداً بين الطرفين، خاصة مع احتراق أوراق العرابين السابقين؟
وإن كان ذلك، فما هو ثمن أن يكون وسيطاً بين الطرفين؟ هل فقط سيكون هذا عملاً يشبه العمل الخيري، أم أن خلف ذلك أمر آخر؟
كثيرون أصبحوا اليوم يلعبون على الحبال، ويرقصون عليها، حقوقيون وسياسيون وشعراء، فلا نعلم ماذا بعد اللعب على الحبال، وهل كان خروج بعض المحكومين من ضمن صفقة، مقابل وعود بأمور قد يحصلون عليها مستقبلاً، خاصة بعد ممارسة دور العرابين.. لا ندري، الأيام القادمة حبلى، وقد تكشف أموراً خافية..!
** رذاذ
قيل قديماً: «إن السجون بتربي» وربما حدث شيء من هذا اليوم، رغم أن سجوننا (خمس نجوم) وفيها (ثلاجات) سوبر ماركت، وقنوات تلفزيونية عالمية، والدوري الإسباني، والإنجليزي والإيطالي، ويهرب إلى داخلها ما يهرب، وهواتف نقالة، يعني سجون بخدمات ممتازة ومغرية..!
لكن تغير الخطاب ظهر مع بعض الخارجين، وكان ذلك الذي شتم سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه أحد من تربي وخرج بخطاب مختلف، من يدري قد يتبعهم آخرون حين يخرجون بخطاب مختلف.
لا أتمنى لأحد أن يدخل سجوناً مثل سجون ملالي طهران، أو بشار الأسد، ولا أدري كيف سيخرج البعض لو كان دخل تلك السجون وكيف سيكون خطابه بعد الخروج؟ لكن الأكيد أن اللعب على الحبال أمر خطير، إما أن يصفق لك البعض، وإما أن تسقط إلى الهاوية..!