لا تتوقف دول مجلس التعاون الخليجي عن اكتشاف خلايا متطرفة على أراضيها، بعض هذه الخلايا تم اكتشافه إلكترونياً وأخرى تم اكتشافها ميدانياً بطرق مختلفة. ولكن من الواضح أن هناك المزيد من هذه الخلايا النائمة التي باتت في انتشار مستمر في المجتمعات الخليجية. والسؤال هنا؛ لماذا تتكون الخلايا النائمة؟ ومتى تستيقظ؟
أولاً؛ لا يمكن أن تنشأ أي جماعات أو خلايا متطرفة أيديولوجياً في المجتمعات دون وجود بيئات حاضنة لهذه الجماعات وأيديولوجياتها، بحيث يمكنها العمل تدريجياً والانتشار واكتساب النفوذ بمرور الوقت، والاستيقاظ في الوقت المناسب.
هنا من الأهمية بمكان التفرقة بين البيئة الحاضنة والمجتمعات الضعيفة، فالبيئة الحاضنة هي المجال الذي يمكن أن تنشأ فيه الجماعة المتطرفة وتكوّن فيه خلاياها بسرية تامة بسبب وجود مكامن ضعف في الدولة ومؤسساتها، ووجود هامش من الحرية يمكن العمل تحت غطائه. أما المجتمعات الضعيفة فهي المجتمعات التي يمكن أن تنتقل فيها الجماعات المتطرفة من حالة الكمون أو العمل السري إلى العمل العلني لتبدأ تنفيذ أجنداتها ومشاريعها السياسية المختلفة.
دول مجلس التعاون لا تعد من المجتمعات الضعيفة، بل تعد من البيئات الحاضنة للجماعات المتطرفة، فمادامت هذه المجتمعات محافظة، فإن هناك مجالات واسعة للعمل من قبل الجماعات والخلايا تارة باسم الدين، وباسم العمل الخيري تارة أخرى، وحتى العمل السياسي الرسمي المسموح به في بعض الدول كما هو الحال بالنسبة للبحرين والكويت نسبياً.
ولذلك تابعنا ومازلنا نتابع تغلغل الكثير من الجماعات المتطرفة في المؤسسات الدينية مثل المساجد والمآتم للتجنيد ونشر الأيديولوجيا، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني حتى بات الكثير من الجمعيات الخيرية على سبيل المثال تابعاً لجماعات راديكالية تعمل على تمويل أنشطتها باسم المال الديني أو الخيري.
المجتمعات الضعيفة من الصعوبة بمكان معالجتها، ولكن البيئات الحاضنة ليس صعباً معالجتها وإنهاء هامش الاحتضان القادر على استضافة الجماعات المتطرفة وخلاياها. وهناك العديد من الإجراءات التي يمكن القيام بها لتحقيق ذلك؛ مثل الدمج الإجباري لجميع المؤسسات الخيرية في مؤسسة واحدة ضخمة تحت إشراف الدولة ورقابتها المالية، الحظر القانوني لكافة أنشطة جمع المال الخيري والديني خارج نطاق الدولة ومؤسساتها الرسمية، وتنظيم الدراسة الدينية بمختلف أشكالها ومستوياتها داخل وخارج الدولة، وترشيد الخطاب الديني بقوة القانون سواءً من خلال التنظيم والرقابة على خطباء المساجد، وحتى الوعاظ. وبنفس الآليات يمكن تطبيقها على مؤسسات المجتمع المدني، وإن تطلب ذلك انتقاصاً من حقوق هذه المؤسسات، فحقوق الإنسان الأخرى أهم من حق التنظيم المدني.