حين هممت بالبداية بهذا العمود تعليقاً على تصريحات الرجل الفاضل وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله المتعلقة بإيران، والتي لامست إحساس المواطنين الحقيقيين، في ذلك الوقت وجدت رسائل بالهاتف تقول إن هناك عرضاً تلفزيونياً لعملية تهريب متفجرات وأسلحة، وقلت في نفسي إن عمليات التهريب البحري ومن خلال جسر الملك فهد وربما المطار والميناء لا تتوقف، وربما لن تتوقف.
قبل موضوع التهريب البحري، فإن ما لفت انتباه المواطنين -وهذه ليست المرة الأولى- هو أن تصريحات وزير الداخلية تكون قوية وشديدة وتلامس حقيقة الواقع دون زيادة أو نقصان، وأن كلامه هو فعلاً ما يشعر به المواطن البحريني المحب لوطنه.
وأجد أن تصريحات الشيخ راشد متقدمة على تصريحات مسؤولين بالخارجية البحرينية، حتى أني قلت في نفسي وأنا أقرأ التصريحات، إن وزير الداخلية يقول كلاماً كان يجب أن نسمعه من وزارة الخارجية البحرينية، لكن هناك على ما يبدو بعض التباين.
في الولاء للوطن لا يوجد شيء اسمه ازدواجية الولاءات، الولاء واحد، إما للوطن والعروبة وتراب البحرين وقيادة وشرعية الحكم بالبحرين، وإما الولاء إلى دولة معادية وعدوة، لا توجد منطقة في المنتصف، وإن كان كذلك فمن يكون ولاؤه لتك الدولة لا ينبغي أن ينعم بما تقدمه الدولة من خدمات وتسهيلات ومعونات.
هؤلاء لا يجب أن يحصلوا على خدمات الدولة وولاؤهم ليس للوطن، ليذهبوا لمن يوالونه، ليحصلوا على الخدمات المتقدمة، زمن المجاملات انتهى، الذي ليس معك لن يكون معك أبداً مهما فعلت له، سينقلب في لحظة ميلان السفينة كما حدث بجلاء ووضوح وانكشاف في 2011.
أشعر كمواطن -ويشعر المواطنون معي- أن لدينا تبايناً في الموقف من دولة تعادينا، وتستهدفنا في سيادة الدولة، وتعتبرنا الولاية الرابعة عشرة لها، وتقوض أمننا كل يوم، وتستهدفنا بتدريب الإرهابيين ورعايتهم، وتقدم الأموال لهم، ونحن بالمقابل نقول عنها دولة (جارة)..!
ونطالب بحسن الجوار، ذلك يشبه لو أن هناك سارقاً يدخل بيتك كل ليلة ليسرق، وحين تجده وهو خارج بسرقته، تقول له في المرة القادمة لا تسرق كثيراً..!
حالنا مع إيران شبيه بهذا المثال، مرة نريد حسن جوار، ومرة نريد تبادل سفراء، ومرة نريد استيراد الغاز، ومرة نقول إنهم يستهدفون أمننا، كلما خرج وكيل الله في الأرض، أكبر دكتاتور على وجه الأرض والذي يستخدم الدين كغطاء لأعماله وتوجيهاته، ليعبد من دون الله، كلما خرجت تصريحات من هذا ضد البحرين نقوم بحملة لمواجهة تدخلاته بالبحرين.
في اعتقادي أن وقف التدخلات الإيرانية لا يحدث قبل مواجهة (الأرض الخصبة) لهم بالبحرين، وقبل مواجهة الطابور الخامس الذي لا ولاء ولا انتماء له سوى للمذهب على حساب الوطن والأرض والعروبة والسيادة.
وقف تدخلات إيران يتم عبر التنسيق الخليجي في سحب السفراء، لكن مع عميق الأسف هناك دول خليجية لا تفعل ذلك، وهي معروفة، لكن على الأقل هناك ثلاث دول يمكن أن تسحب السفراء.
كما أن تدخلات إيران يجب أن تواجه عبر النظام الدولي والعالمي من خلال توثيق هذه التدخلات وطرحها في المنابر العالمية، أما أننا نواجه هذه التدخلات فقط عبر حملات داخلية فهذا لا يكفي أبداً.
نصبح مثل الرجل الذي يحدث نفسه، إيران والعراق صنوان، بينما موقفنا من العراق مبهم ومجهول، كما هو موقفنا من إيران، نقدم خطوة ونؤخر أخرى، بل ونستقبل الوفود الرسمية العراقية، أليس يدل ذلك على ازدواجية مؤلمة لنا كشعب؟
إيران هي إيران، لن ينفع استمالتها، ولن تقف على الحياد، ولن تتوقف عن استهدافنا مادام نظام الملالي قائماً، هذه هي الحقيقة، لن ينفع أن نأكل معهم الكباب، فهم يتحينون لأكلنا كلقمة سائغة، ونحن نداهن ونخاطبهم بخطاب مرتبك مهزوز.
إذا أردنا أن نحدد الأولويات، فأعتقد أن مواجهة الطابور الخامس أهم الأولويات، الذين تطلبون اليوم منهم موقف ضد تدخلات إيران، ليس لديهم مانع في التقية السياسية، لكن ولاءهم الحقيقي إلى الدولة الصفوية، الطابور الخامس هو أكبر تحدٍ يواجه البحرين اليوم،
وإذا لم نخطط لمستقبلنا بشكل واقعي وبدون مجاملات، فإن الأرض الإيرانية الخصبة بالبحرين ستكبر وستتوسع.
تصحيح مسار البعثات (مثلاً) هو أهم الأولويات، وهو أكبر الأبواب التي تستهدف الاستيلاء الناعم على الدولة من الداخل، إذا لم تكن هذه الصورة واضحة، فهذا يقود إلى تكرار أزمات كبيرة، بل أننا نرحلها للمستقبل لتحدث بشكل أكبر من السابق.
مهما قالوا في إيران، لا يستطيعون الاقتراب من البحرين بإذن الله، لكن ماذا عن الداخل، هذا هو أهم سؤال؟
ماذا عن التمدد الداخلي، ماذا عن الهيمنة على الدولة، ماذا عن الهيمنة على الوظائف؟
ماذا عن أكبر كارثة للمدد على الأرض وهي مشروع امتدادات القرى؟
ماذا عن الاستيلاء على الأسواق والاقتصاد؟
ماذا عن المناقصات المليونية التي تعطى لمن لا يستحق؟
حتى صارت أمبراطوية داخل الدولة، وبالمال يشترى كل شيء؟
إذا لم تكن للدولة استراتيجية -لا نريدها معلنة- لكن على الأقل تكون هناك استراتيجية لمستقبل البلد من استيلاء الطابور الخامس على مفاصل الدولة، كما حدث ويحدث في لبنان.
مع عميق الأسف لبنان في طريق الضياع، فقد حدث التمدد والاستيلاء والهيمنة التي أرادتها إيران لأختطاف الدولة اللبنانية، فهل تريدون أن يحدث هذا في البحرين؟
نريد رؤية بعيدة المدى، تحدد الأخطاء التي وقعنا فيها قبل 2011، وتحدد الأهداف، حتى لا نجر نفسنا بنفسنا إلى مستنقع لبنان.
منذ أن كنت في صحيفة أخبار الخليج وأنا أكتب عن التهريب البحري، وعن تقوية جهاز خفر السواحل بالتعاون مع سلاح البحرية الملكي لوقف استيراد المتفجرات، وسد الثغرات، والتحرك في هذا الجانب في تقديري ليس كافياً، مع تسليمنا بأن هناك أموراً كثيرة صححت.
إلا أن التهريب البحري يحدث، وقد اعترف من قبض عليهم في رمضان (الذي أعلن أمس) أنهم قاموا بعمليتين ناجحتين قبل أن يقبض عليهم، فعلى ماذا يدل هذا؟
هل تنقصنا قوارب سرية متطورة برادارات متطورة؟
هل ينقصنا الرجال كعدد لمراقبة المياه الإقليمية؟
أين نحن من تطور التقنية العالمية في هذا المجال؟
هل ينقصنا التدريب والدورات، وجلب الخبراء؟
كل ذلك يجب أن يصحح، فما نشاهد من عمليات تفجير لرجال الأمن هي في الأصل هي عملية تهريب بحري أو من خلال الجسر، اغلقوا هذا الباب، احصروا النواقص، وعالجوا الأخطاء، حتى لا تبقى ثغرات في مياهنا الإقليمية.
عملية ضبط المهربين الأخيرة يشكر عليها رجال خفر السواحل ولا نبخص حقهم في الشكر والثناء، لكننا نريد أن نوقف كل التهريب، ومساحة المياه الإقليمية ليست كبيرة كما في دول أخرى، بمعنى يمكن مراقبتها بدقة.
أشكر وزير الداخلية على تصريحاته التي لامست إحساسنا، وهذا ليس بغريب على الشيخ راشد بن عبدالله، لكن لا تطلبوا الولاء ممن يفقده، ولا تطلبوا (ولاء مجاملة) ممن يفتقد الولاء لوطنه، هؤلاء انكشفوا في 2011، فأين التجار الذين كانت لافتات رعايتهم للدوار مشاهدة من الجميع، أين هم من إعلان رفض التدخلات الإيرانية، ولو مجاملة؟
أين من تعطونهم مناقصات الملايين؟
هل في فمهم ماء كلما تعلق الأمر بإيران؟
لفت انتباهي موقف أحد رؤوساء التحرير من التدخلات الإيرانية، قلت في خاطري: «ماشاء الله تبارك الرحمن، هو نفسه يرفض التدخلات، شيء لا يصدقه العقل ولا المنطق»..!
نحن (عيال بلد) ونعرف الذي في قلبه مرض، ونعرف الذين ولاؤهم حقيقي للوطن والعروبة من الطائفتين، فهناك من إخوتنا في القرى من ولاؤه لوطنه ولعروبته ولأرضه، وهؤلاء محل احترام وتقدير حتى مع اختلاف الآراء، ذلك أنك تحترم من يقول لك: «أنا أختلف معك ومع الدولة، وأنتقد الدولة، لكن ولائي لوطني ولعروبتي ولا أقبل بأي تدخلات إيرانية في شؤوننا وعلينا لجمهم حجراً».
هؤلاء هم أهل البحرين الحقيقيون، هؤلاء تسري في عروقهم دماء العروبة والانتماء، فمهما بلغ الاختلاف معهم، إلا أنك لا تملك إلا أن تحترمهم.
أما من في قلبه مرض، فحتى عيونه تنطق، وتقول، وإن نطق لسانه بشيء آخر، ولا خير في الذين في قلبهم مرض، هم أخطر على الوطن من تصرحيات وكيل الله على الأرض الدكتاتور الأكبر.