قررا أن يتجها إلى دور السينما خلال أيام العيد، وقع الاختيار على أحد الأفلام العربية.. وهما يتابعان الفيلم أبدت استياءها وهي تشاهد عدداً من اللقطات التي كانت تدرك أبعادها الخطيرة.
قالت بعد عدة لقطات متكررة في الفيلم عن «تدخين سجائر الحشيش» وأمام مشهد جلوس البطل مع البطلة على طاولة وقيامها بشفط المخدرات عن طريق أنبوب مشترك بينهما وضربه لإبرة لها على كتفها وهما في قمة نشوة السعادة والضحك والعديد من اللقطات التي تستعرض جو المرح الذي بينهما: «والله هالفيلم غلط ينعرض ويشوفونه مراهقين وشباب، وين الرقابة؟ مثل هالأفلام تخاطب العقل الباطن وتغير السلوكيات وتجعل الأمر يبدو عادياً جداً ومن السهل تجربة هالأمور»، لاحظت من اللقطات التي بعدها أنهما استفاقا من الحالة التي كانا فيها وعادا لحياتهما الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن!
فرد عليها: «إذا جذي لازم يمنعون كل الأفلام الأجنبية»، تذكرت حينها تعليق على تلفزيون البحرين لمدير إدارة مكافحة المخدرات العقيد مبارك بن حويل أثناء الحديث عن استهداف الشباب حينما ذكر: «من ضمن الأمور التي تؤثر الإعلام الربحي والقنوات التي ليس عليها رقابه، أكثر الأفلام اليوم عندما تعرض تعاطي المخدرات خصوصاً الحشيش يكون «الجو حلو وضحك ووناسة» علماً أن هناك اختلافاً جذرياً في الواقع، فالحشيش أشد أنواع المخدرات فتكاً بالإنسان».
القائمون على صناعة الإعلام العربي للأسف وقعوا في مصيدة الإعلام الغربي الترفيهي الذي يروج لكل السلوكيات الخاطئة، أمام ظاهرة اقتباس كل ما يأتي في الإعلام الغربي دون قياس الأبعاد الاجتماعية المترتبة على ذلك أو قراءة ما بين سطور الأهداف والاستراتيجيات التي يقوم عليها هذا النوع من الإعلام الملوث بالكثير من الظواهر، والتي هي ضد مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، ولابد من وجود رقابة صارمة وإجراءات قانونية ضد وكلاء الفساد والاستنساخ في صناعة الأفلام العربية، ألم يفطن القائمون على الإعلام العربي كيف يستهدف أصحاب الأجندة الخارجية والمخططات الانقلابية شباب الأمة من خلال آفة المخدرات ومظاهر الانحراف المختلفة؟ ألا يوجد أحد منهم يطالع كم الأخبار التي في كل فترة تكشف عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات قادمة إلينا من دول بؤر الشر؟
الإعلام الترفيهي من أخطر أنواع الأسلحة الفكرية الحديثة، لذا اهتم خبراء الغرب بمضمون الإعلام الترفيهي القائم على مخاطبة العقل الباطن، فهذه الصناعة الحديثة أحد الأبواب الرئيسة لتغيير القناعات وإعادة صياغة اتجاهات الرأي العام.
لعل ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً من إصدار قانون يبيح زواج المثليين، ونجاح الإعلام الأمريكي في إقناع الأمريكان بهذا القانون هو خير شاهد على كلامنا، حينما روج من خلال مسلسلاته وبرامجه وأفلامه، خاصة تلك التي تعرض بدور السينما، هذا الفكر المدمر من خلال دمج فئة الشواذ مع أبطال الأفلام والمسلسلات وبيان أنهم أصدقاء أوفياء، وإبراز دورهم الاجتماعي وترسيخ مبادئ حرية التصرف، وكأن الأمر لا يعكس وجود خلل فيهم بل المجتمع يتقبلهم ويتفهمهم.
وفقاً لمعهد غالو المتخصص في الإحصائيات؛ كشف بيان صادر منه عن ارتفاع نسب التأييد لزواج المثليين خلال عام 2015 إلى 60% في المجتمع الأمريكي، حيث كانت النسب في تزايد خلال الأعوام الماضية بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز الـ40% خلال عام 2010.
تحول اتجاهات الرأي العام في تأييد مثل هذه الظواهر لم يفرض نفسه بشكل مفاجئ، بل جاء بطريقة ممهدة من خلال الإعلام الترفيهي وما يحمله من لقطات ومواقف إنسانية لهذه الفئات، إن المناظر المقززة التي استعرضها الفيلم العربي من خلال بيان أن تعاطي المخدرات وممارسة الكثير من التصرفات الخاطئة شيء طبيعي قد يضطر المرء للقيام به وهو يحاول التخلص من مشكلة «القطة» التي قام البطل بقتلها عن طريق الخطأ فأصابته هو والبطلة بلعنة، وكأنه يحمل تبريراً للانحراف وتقبلاً لفكرته يتماشى مع مبادئ الإعلام الغربي.
في أحد لقطات الفيلم يقف البطل مع البطلة على السرير وكل واحد منهما ارتدى ملابس الآخر، ويبدو البطل مرتدياً فستاناً ويضع مكياجاً وكأن الأمر عادي جداً من باب الطرافة، ويدرك المحلل لمثل هذه اللقطات الرسائل الخفية والإيحاءات التي ترسل للعقل الباطن لمن يشاهدها.
في علم النفس هناك قواعد كثيرة في مخاطبة العقل الباطن والتأثير عليه، ولعل أهم ثلاث قواعد تستخدم في الإعلام الترفيهي هي «قانون الاعتقاد»، حيث يتم استعراض شيء يبدأ المرء بالاعتقاد بوجوده ويكرر عليه أكثر من مرة ليضع فيه المرء شعوره وأحاسيسه وهو يتابع، مما يجعل هذه الأمور «تتبرمج» في مكان عميق جداً في العقل الباطن «اللاوعي»، وبشكل أوتوماتيكي يصبح هذا الاعتقاد مبرمجاً فيه دون أن يشعر، ثم يحكم سلوكه وتصرفاته.
وهناك «قانون التراكم»؛ وهو التفكير في شيء أكثر من مرة وإعادة التفكير فيه من اتجاهات مختلفة، مما يجعله متراكماً في العقل الباطن، وكل مرة يتعرض المرء لهذا التفكير يترسخ فيه بشكل أقوى من المرة السابقة، وكذلك «قانون العادات»، فإن ما نكرره باستمرار يتراكم حتى يتحول إلى عادة دائمة من الصعب جداً التخلص منها، ولعل التمهيد لها هو تقبلها كفكرة ثم تحولها إلى عادة تفكير في عقلك الباطن ومن ثم عادة سلوك.
هذه المصيدة الفكرية لابد لـ«مقص الرقيب» من معالجتها، ولابد للقائمين على وسائل الإعلام المختلفة إيجاد تشريعات وضوابط لحماية الشباب منها، قد تبدو القضية شائكة أمام وجود شركات الإنتاج الضخمة والمؤلفين ودور التوزيع، ولكن منع مثل هذه الأفلام ورفض عرضها في دور السينما واتخاذ وقفة جادة قد يبدو أقل ضرراً وسوءاً من عدم اتخاذ ذلك بالمطلق.