من يتتبع القرارات والتصريحات التي تصدر من مسؤولين في الدولة ومن وزارات، والتي تتكرر بعد شهر و6 شهور وسنة، يستنتج منها صدورها بعد معاناة أو شكوى أو تذمر، وبالتالي تأتي الحلول أو التعليمات آنية وجزئية، وليست شاملة وبعيدة المدى.
الفرق بين المعالجتين الآنية والبعيدة المدى أن الأولى نابعة من ردة فعل فردية اقتضاها الحدث، وبالتالي قد تعالج المشكلة في مكانها المحدود وقد تتكرر المعالجة في وقت لاحق، والثانية نابعة من معالجة مؤسساتية مستندة على دراسة أو أكثر انبثق منها وضع خطط قريبة ومتوسطة وبعيدة وبرامج لهذه الخطط، أي أن المعالجة بعيدة المدى وذات الأفق الشامل هي التي تعتمد على الدراسات والتخطيط..
ومن التعميم إلى التحديد نشير إلى مشكلة المواصلات والطرق والتي حظيت في الفترة الأخيرة بعدد من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون في الحكومة ووزارتا المواصلات والأشغال والتي تحاول كل واحدة منها التدخل لمعالجة أو تخفيف الاحتقان في الشوارع والناتج عن فشل معادلة أزلية تعود إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي كان يفترض أن توازن بين التطور في شق الشوارع وتوسعتها وإنشاء الجسور والأنفاق من ناحية وتزايد عدد السيارات بأنواعها الخفيف والثقيل ووجود نظام مواصلات عامة ناجح وملبٍ لاحتياجات الناس في الوصول إلى أعمالهم في الأوقات المحددة.
هذه المشكلة بدأت عندما استقدمت الحكومة خبيراً أمريكياً من كيب كيندي لوضع نظام المواصلات العامة أوالنقل العام، ولم تمتد مهمته لتشمل الربط بين اتساع الشوارع وضبط أوقات تحرك ووصول الحافلات إلى محطاتها، وهو شرط ضروري لتحقيق جدوى المواصلات العامة، ولأن هذا لم يحدث فقد فشل نظام النقل العام منذ أن بدأ واستمر في فشله حتى يومنا هذا مع تغير الشركات التي تديره وألوان وفخامة الحافلات المستخدمة.
فشل النقل العام تزامن مع زيادة مضطردة في عدد السيارات الخاصة التي جاءت لسد النقص وتعويض عجز المواصلات العامة، كما تزامن أيضاً مع بطء أو تعطل إنشاء الشوارع وتوسعتها وكذلك الجسور والأنفاق، أي عدم مسايرة الزيادة في الشوارع الزيادة في عدد السيارات، وهو ما أدى إلى حدوث الأزمة التي نعانيها اليوم والتي هي مرشحة إلى التفاقم شهراً بعد آخر خاصة بعد أن فاق عدد السيارات عدد المواطنين من السكان.
هذه الأزمة هي مثال على غياب التخطيط منذ السبعينيات، ومن ثم إهماله واستمرار غيابه في السنوات اللاحقة.