في البدء حاول البعض الترويج لفكرة أن الشاب الذي قضى نحبه في قرية العكر قبل العيد بيومين نتيجة انفجار قنبلة قتل على أيدي رجال الأمن، وأن الداخلية مسرحت الموضوع وقالت إنه كان يهم بوضع قنبلة بغرض قتل رجال الأمن فانفجرت فيه، لكن ما يسمى بائتلاف فبراير سرعان ما نشر خبراً بصفة عاجل يقول «استشهاد الشاب (.....) أثناء قيامه بواجبه الجهادي»، وهو اعتراف صريح بأنه كان يحاول ارتكاب ذلك الفعل، عزز من هذا أن الجماعة الذين اختاروا العيش في الخارج اكتفوا بذكر الخبر ولم يعلقوا عليه، والجمعيات السياسية أصدرت بيانات أكدت فيها رفضها للعنف، وهو ما يفهم منه أن القصة يصعب ترويجها بشكل مختلف عن الحقيقة.
دليل آخر على أن الشاب كان يهدف إلى زرع القنبلة لينفذ بها «عملية جهادية» التبريرات التي نشرها إعلام ائتلاف فبراير عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجاء فيها على سبيل المثال «ماذا تنتظرون من شاب تحطم المستقبل أمامه» و«انتهاج نهج المقاومة رد طبيعي» و«استشهد في ميدان المقاومة بعد أن استشهد أقرب أصدقائه» و«تباً لكل من يستنكر بطولاته»، وأيضاً «من يريد السلمية له الميدان، ومن يريد المقاومة له الميدان، نحن نفتخر بشهداء المقاومة.. هم أروع الشهداء وأعظمهم منزلة».
طبعاً لو كان ممكناً لف القصة لما تم نشر كل هذه التغريدات ولسعوا بكل ما يستطيعون من طرق إلى إقناع العالم بأن الشاب قتل غيلة على أيدي رجال الأمن. المثير أن هذه العملية جاءت متزامنة مع ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية عن تصريح نسب لعضو مجلس الشورى الإيراني ناصر سوداني يدعو فيه إلى «الاستعداد لمرحلة الكفاح المسلح في البحرين»، وهو ما يبدو أنه خبر صحيح؛ بدليل أن جمعية «وعد» علقت على ذلك في بيان أعربت فيه عن «استنكارها وشجبها لهذه التصريحات المنسوبة للمسؤول الإيراني واعتبرتها، في حال ثبوتها، تدخلاً مرفوضاً ومداناً في الشؤون الداخلية البحرينية»، وشددت على تمسكها بسلمية الحراك الشعبي ونبذها للعنف والعنف المضاد ومن أي مصدر كان، وهو ما أكدته أيضاً جمعية الوفاق، حيث ذكرت في بيان بالمناسبة أن «السلمية خيار استراتيجي».
لكن القنبلة ليست أداة القتل الوحيدة التي يمارسها ذلك البعض، فما يسمونه بـ «الدفاع المقدس» يمكن أن ينتج عنه ضحايا من رجال الأمن لأنهم يرمونهم بمئات من زجاجات المولوتوف الحارقة، وكذلك عمليات اختطاف الشوارع التي يتخذون لها في كل مرة اسماً مختلفاً، حيث يمكن أن يتسببوا بسبب تعطيلهم للشوارع في وفاة حالات يتم إسعافها بالصدفة في ذلك الوقت.
قبل العيد بيوم واحد نشروا خبراً عن واحدة من هذه العمليات ووضعوا لها عنواناً اعترفوا فيه بأنهم إنما يرمون إلى الفوضى، حيث كتبوا «عملية الأمعاء الخاوية تربك الحركة المرورية في شوارع البحرين»، وهو اعتراف صريح بتوظيف أداة قتل متعمد، حيث إرباك الشوارع يمكن أن ينتج عنه وفيات لسبب أو لآخر، وكل هذا يدخل في باب العنف الذي لا يكفي أن تدينه الجمعيات السياسية عبر بيانات تصدرها لا تكلفها سوى الحبر الذي تكتب به.
طبعاً لا يتردد أولئك عن نعت الفاعلين ووصفهم بأنهم «فرسان الإباء» و«فرسان الكرامة» ووصف عملياتهم بـ «الثورية» واعتبارها انتصاراً ما بعده انتصار ونجاحاً باهراً.
تكرار هذا السلوك المشين الذي يتسبب في الأذى وقتل النفس المحرمة لا يعالج بإصدار البيانات كما تفعل الجمعيات السياسية كلما وجدت أنه لا حيلة في لملمة الموضوع والتغطية على ما حصل، فلا بد من موقف عملي جاد وصارم تقوم به، ولا بد من تحمل الشخصيات الوطنية على اختلافها المسؤولية والتحرك لمنع هذا الذي يتكرر.