منذ منتصف القرن العشرين اعتادت التنظيمات الراديكالية المتطرفة اعتادت على مواجهة الدول والحكومات من أجل تحقيق أجندتها، فظهرت عشرات التنظيمات معظمها انتهى، وما تبقى منها سوى أيديولوجيات بالية. ولكن منذ مطلع القرن العشرين تبدلت الأوضاع، وصارت التنظيمات لا تتطلع إلى مواجهة الدول أو الحكومات لتحقيق أجندتها، بل صار الهدف هو بناء دولة تقوم على أيديولوجية التنظيم نفسه.
قد تمثل طهران تجربة قديمة لهذا النوع من التنظيمات، ولكننا لن نتطرق إليها بالمقارنة، بل سنقارن تلك التنظيمات التي كونتها إيران لإنشاء ثيوقراطيات أخرى في الشرق الأوسط، كما هو الحال في كل من لبنان والعراق والبحرين. في هذه التجربة فإن التنظيمات المتطرفة لم تكتفِ بالحصول على رقعة جغرافية معينة، بل يدفعها الطموح نحو تأسيس دولة مترامية الأطراف وغنية بالموارد لتكون قوة سياسية مستقبلاً.
الحال نفسه لا يختلف عند تنظيم داعش الإرهابي، ففي الوقت الذي لم يسعَ فيه تنظيم القاعدة إلى تأسيس الدولة الإسلامية بشكل مباشر رغم كافة الأنشطة التي قام بها حول العالم، فإن داعش اعتمد على استراتيجية تضمن له التمدد من رقعة جغرافية لأخرى، حتى تداخلت المناطق وتمكن التنظيم من اقتطاع أقاليم عراقية وأخرى سورية ليقيم دولته المزعومة.
هذا التمدد الأيديولوجي على الأرض أدى وسيؤدي إلى حالة من الفوضى في الجغرافيا السياسية. وإذا كانت -على سبيل المثال- دول مجلس التعاون الخليجي تعرف دول جوارها الجغرافي، فإنها لن تعرف من سيجاورها مستقبلاً، فقد تكون لداعش حدود مستقبلية مع دول مجلس التعاون، أو قد تظهر دول أخرى لتنظيمات متطرفة جديدة، وهو ما سيشعل المنطقة كثيراً.
حدود دول الشرق الأوسط الحالية تشكلت وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو من قبل المستعمرين قبل مائة عام، ولكنها الآن تتشكل من جديد ليس على يد القوى الاستعمارية، وإنما على يد قوى ثيوقراطية راديكالية متطرفة، فهل ستكون هذه الحدود هي القائمة لنحو مائة عام مقبلة؟
لا يمكن الإجابة على السؤال، ما دامت الصورة غير واضحة بالنسبة للتعامل مع الإرهاب، فدول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية أيضاً تتباين في تقييمها للأخطـــــار الإرهابية، ففي الوقت الذي تصنف فيه بعض الدول الخليجية حزب الله بأنه تنظيم إرهابي، نجد دولاً خليجية أخرى تحتفي بهــــذا التنظيــــم المتطرف وقادته. ومع هذا الاختلاف مـــــن الصعوبة بمكان إيقاف تمدد الجماعات الراديكالية في المنطقة، فما يجري مجرد استهداف للكوادر والممتلكات المادية لهذه الجماعات، أما التمويل والأيديولوجيا فمازالتا بعيدتان عن دائرة الاستهداف.