للأسبوع الثاني على التوالــي يقــف أهل البحرين صفاً واحداً تجمعهــم صلاة مشتركة ليقولوا معاً وبصوت واحد وبقوة لا للتطرف ولا للإرهاب ولا للعنف ولا لكل ما يشق الصف، وليؤكدوا أن شعب البحرين شعب واحد، وأن من يحاول أن يسيء إليه لن يحصد سوى الخسران والهزيمة.
في الأسبوع الأول احتضن جامع الصادق بقرية عالي الصلاة المشتركة الأولى بين المنتمين إلى المذهبين الكريمين بإمامة الشيخ ناصر العصفور، وفي الأسبوع الثاني احتضن جامع الفاتح بالمنامة الصلاة المشتركة بإمامة الشيخ عدنان القطان. وبغض النظر عن أعداد المشاركين من أبناء المذهب الآخر في كل صلاة إلا أنه يمكن القول إن الرسالة وصلت بكل وضوح وإنها كانت قوية ومؤثرة.
شاركت في الصلاتين المشتركتين ورصدت الفرحة في عيون من حضرهما حتى المصورين، الكل بدا مقدراً للخطوة التي تسجل لصالح جمعية المصالحة والحوار المدني ورئيسها سهيل القصيبي، والكل تمنى أن تتكرر المحاولة وتوسيع الدائرة، والكل اكتشف أن الصلاة وراء إمام الآخر هي نفسها التي اعتاد أن يصليها وراء الإمام الذي يمثل الطائفة التي ينتمي إليها وأن قبولها أو عدم قبولها شأن يخص الله وحده وأنه ليس لأحد أن يقرر هذا، فالأعمال بالنيات ولكل امرؤ ما نوى.
وقوف المصلين مسبلين ومتكتفين في صف واحد يكفي للتعبير عن أن الجميع في خندق واحد، وأن من يريد بهذا الوطن سوءاً لا تفرق ناره بين هذا الذي تكتف وهو يصلي وذاك الذي وقف مسبلاً وأنه يستهدف الجميع ويستهدف الوطن.
الصلاة المشتركة خطوة بسيطة تحفظ عليها البعض ووقف بعض آخر منها موقفاً سالباً، وانتقدها بعض ثالث بشدة، ولعل بعض رابع سخر منها، لكنها في كل الأحوال حققت الهدف منها وأوصلت الرسالة المطلوبة وبينت للعالم أجمع بأن شعب البحرين واحد وأنه قادر على تجاوز كل الاختلافات أياً كان نوعها والتصدي لمن يريد النيل منه.
وقوف وزير العمل (شيعي) إلى جانب وزير الخارجية (سني)، ووقوف وزير العدل والشؤون الإسلامية (سني) إلى جانب رجل دين (شيعي) وآخرين من المنتمين للطائفتين الكريمتين من مختلف المشارب يصلون معاً وراء إمام واحد (شيعي أو سني) لا شك أنه أوصل رسالة قوية إلى كل من ينبغي أن تصل إليه تلك الرسالة. لكن رسالة أخرى ينبغي توجيهها الآن بشكل مباشر إلى المنتمين إلى الجمعيات السياسية (الإسلامية) على اختلافها تتضمن سؤالاً عن سبب تغيب رموزها عن الصلاة المشتركة، خصوصاً وأنها تردد باستمرار أنها لا تتحسس من الآخر وأنها ترمي إلى الوحدة الوطنية ويهمها اللحمة الوطنية وتقف مع كل ما يعين على رص الصفوف والعمل معاً وتدعو إلى كل مظهر وحدوي.
بالتأكيد لاتزال بعض النفوس مشحونة على الآخر بسبب ما حدث في فبراير 2011 من تجاوزات، ولايزال البعض غير قادر على استيعاب مسألة التعامل مع الآخر فكيف بالصلاة معه أو خلفه، لكن كل هذا طبيعي، فما حدث لم يكن هيناً، خصوصاً مع شعب عاطفي كشعب البحرين، وعلاج مثل هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل؛ لأن الشرخ الذي حدث كان كبيراً وعميقاً، لكن أيضاً ليس من العقل أن نستسلم لما حدث ويقف كل واحد منا في المساحة المقابلة للآخر، خصوصاً وأنه لاتزال توجد مساحة مشتركة يمكن أن تتسع مع الوقت، وليست فكرة الصلاة المشتركة سوى محاولة لتوسيع تلك المساحة والبدء في رأب الصدع.
استمرار هذا المشروع ودعم أفكار أخرى مثل قيام مجموعات من المنتمين إلى الطائفتين الكريمتين بالمشاركة في المناسبات الاجتماعية وخصوصاً التعازي والأفراح من شأنه أن يعين على توسيع المساحة المشتركة ومداواة كثير من الجراح