كيف استطاع تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على أراضي عدة دول في الوقت نفسه حتى بات جدياً في شعاره عندما أعلنه (باقية وتتمدد)؟
حالتان جديرتان بالدراسة؛ الأولى تتعلق بحزب الله الإرهابي، والثانية تتعلق بتنظيم داعش الإرهابي. فعندما تأسس حزب الله الإرهابي في بيروت عام 1982 كانت الدولة اللبنانية تعيش مرحلة الحرب الأهلية، حيث كانت مؤسسات الدولة منهارة وضعيفة للغاية، واستمر التنظيم بالتطور مدعوماً من الخارج حتى صار القوة السياسية النافذة في الدولة، ويمارس نفوذه ويحقق أجندته كيفما يشاء في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
أما بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، فقد استغل ضعف الدولة السورية ومؤسساتها، وكذلك ضعف الدولة العراقية ومؤسساتها، واستطاع التمدد على البلدين وبسط نفوذه، وتأسيس دولته الثيوقراطية المزعومة بدءاً بسيطرته على جزء من الأراضي السورية في 8 أبريل 2013.
في الحالتين، فإن التنظيمين يهدفان إما للسيطرة على الدولة أو بناء دولة، والسبب الذي ساهم في تحقيق ذلك هو ضعف الدولة الأساسية وهشاشة مؤسساتها، فضلاً عن ظروف الصراع السياسي والأهلي الدائرة فيها.
الدرس هنا، هو وجود علاقة عكسية بين قوة الدولة ومؤسساتها من جهة، والقابلية لتأسيس جماعات ثيوقراطية متطرفة. أي كلما كانت الدولة ومؤسساتها ضعيفة كما زادت الفرصة لإنشاء جماعات متطرفة فيها، والعكس صحيح. وهذا الدرس يدفع دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى لمراجعة قدراتها وقوة مؤسساتها، وقدرتها تحديداً في إنفاذ القوانين، وأيضاً مراجعة علاقات الدولة مع المواطنين، فإذا كانت العلاقة بين الدولة ومواطنيها ضعيفة، فإن النتيجة ستكون زيادة السخط، والانتقال إلى حالة من حالات الضعف المؤسسي في الدولة، وهنا تكمن الخطورة.
طبعاً الظروف التي شهدتها دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية منذ 2010، والتحديات التي مرّت بها كشفت جوانب متعددة من الضعف المؤسسي، ومدى هشاشة العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ومثل هذه الظروف ينبغي ألا تتكرر، وألا يتم السماح بوجود شكل من أشكال الضعف خلال الفترة المقبلة، فمتى ما ظهر الضعف ظهرت الفرصة لظهور جماعات متطرفة راديكالية سواءً كانت تلك التي تتمدد إقليمياً مثل داعش وحزب الله الإرهابيين، أو جماعات أخرى متطرفة جديدة لم يحن الأوان لظهورها بعد.
الدولة الهشة، مفهوم ليس بجديد، ولكن مواجهته خليجياً عملية جديدة تتطلب تعاملاً غير تقليدي، وليس كما حدث في دول مجلس التعاون خلال عامي 1991 ـ 1992 بعد تحرير الكويت، عندما انكشفت قدرات الدول الخليجية واضطرت هذه الدول لاتخاذ إجراءات شكلية ولم تكن هيكلية، وهو ما أعادها إلى نقطة الصفر بعد 20 عاماً فقط.